الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }

{ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ } أي الأقرب، وقيل: الأقل وهو عذاب الدنيا فإنه أقرب من عذاب الآخرة وأقل منه، واختلف في المراد به فروى النسائي وجماعة وصححه الحاكم عن ابن مسعود أنه سنون أصابتهم، وروي ذلك عن النخعي ومقاتل، وروى الطبراني وآخرون وصححه والحاكم عن ابن مسعود أيضاً أنه ما أصابهم يوم بدر وروي نحوه عن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما بلفظ هو القتل بالسيف نحو يوم بدر، وعن مجاهد القتل والجوع. وأخرج مسلم وعبد الله بن أحمد في «زوائد المسند». وأبو عوانة في «صحيحه»، وغيرهم عن أبـي بن كعب أنه قال: هو مصائب الدنيا والروم والبطشة والدخان، وفي لفظ مسلم أو الدخان. وأخرج ابن المنذر وابن جرير عن ابن عباس أنه قال: هو مصائب الدنيا وأسقامها وبلاياها، وفي رواية عنه وعن الضحاك وابن زيد بلفظ مصائب الدنيا في الأنفس والأموال، وفي معناه ما أخرج ابن مردويه عن أبـي إدريس الخولاني قال: سألت عبادة بن الصامت عن قوله تعالى: { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ } الآية فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال عليه الصلاة والسلام: هي المصائب والأسقام والآصار عذاب للمسرف / في الدنيا دون عذاب الآخرة قلت: يا رسول الله فما هي لنا؟ قال: زكاة وطهور، وفي رواية عن ابن عباس أنه الحدود. وأخرج هنا عن أبـي عبيدة أنه فسره بعذاب القبر، وحكي عن مجاهد أيضاً.

{ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَر } هو عذاب يوم القيامة كما روي عن ابن مسعود وغيره، وقال ابن عطية لا خلاف في أنه ذلك، وفي «التحرير» إن أكثرهم على أن العذاب الأكبر عذاب يوم القيامة في النار، وقيل: هو القتل والسبـي والأسر، وعن جعفر بن محمد رضي الله تعالى عنهما أنه خروج المهدي بالسيف انتهى، وعليهما يفسر العذاب الأدنى بالسنين أو الأسقام أو نحو ذلك مما يكون أدنى مما ذكر، وعن بعض أهل البيت تفسيره بالدابة والدجال، والمعول عليه ما عليه الأكثر. وإنما لم يقل الأصغر في مقابلة { ٱلأَكْبَرَ } أو الأبعد في مقابلة { ٱلأَدْنَىٰ } لأن المقصود هو التخويف والتهديد وذلك إنما يحصل بالقرب لا بالصغر وبالكبر لا بالبعد، قاله النيسابوري ملخصاً له من كلام الإمام، وكذا أبو حيان إلا أنه قال: إن الأدنى يتضمن الأصغر لأنه منقض بموت المعذب والأكبر يتضمن الأبعد لأنه واقع في الآخرة فحصلت المقابلة من حيث التضمن وصرح بما هو آكد في التخويف.

{ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } أي لعل من بقي منهم يتوب قاله ابن مسعود، وقال الزمخشري: أو لعلهم يريدون الرجوع ويطلبونه كقوله تعالى:فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً } [السجدة: 12] وسميت إرادة الرجوع رجوعاً كما سميت إرادة القيام قياماً في قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3