الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً } * { وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } * { وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } * { يَقُولُ يٰلَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } * { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ } * { وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ }

{ كَلاَّ }. زجر وردع عن الأعمال المعدودة قبله، وهي عدم إكرامهم اليتيم وعدم حضهم على طعام المسكين، وأكلُهم التراث الذي هو مالُ غير آكله، وعن حب المال حبّاً جمّاً. { إِذَا دُكَّتِ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً * وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً * وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ * يَقُولُ يٰلَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ }. استئناف ابتدائي انْتُقل به من تهديدهم بعذاب الدنيا الذي في قولهألم تر كيف فعل ربك بعاد } الفجر 6 الآيات إلى الوعيد بعذاب الآخرة. فإن استخفوا بما حلّ بالأمم قبلهم أو أمهلوا فأخر عنهم العذاب في الدنيا فإن عذاباً لا محيص لهم عنه ينتظرهم يوم القيامة حين يتذكّرون قَسْراً فلا ينفعهم التذكر، ويندمون ولات ساعةَ مندم. فحاصل الكلام السابق أن الإِنسان الكافر مغرور يَنُوط الحوادث بغير أسبابها، ويتوهمها على غير ما بها ولا يُصغي إلى دعوة الرسل فيستمر طولَ حياته في عَماية، وقد زجروا عن ذلك زجراً مؤكداً. وأَتبع زجرهم إنذاراً بأنهم يحين لهم يوم يُفيقون فيه من غفلتهم حين لا تنفع الإِفاقة. والمقصود من هذا الكلام هو قوله { فيومئذٍ لا يعذب عذابه أحد } ، وقولهيا أيتها النفس المطمئنة } الفجر 27، وأما ما سبق من قوله { إذا دكت الأرض } إلى قوله { وجيء يومئذٍ بجهنم } فهو توطئة وتشويق لسماع ما يجيء بعده وتهويل لشأن ذلك اليوم وهو الوقت الذي عُرِّف بإضافة جملة { دكت الأرض } وما بعدها من الجمل وقد عرف بأشراط حلوله وبما يقع فيه من هول العقاب. والدّك الحَطْم والكسر. والمراد بالأرض الكُرَة التي عليها الناس، ودكّها حطمها وتفرق أجزائها الناشىءُ عن فساد الكون الكائنة عليه الآن، وذلك بما يحدثه الله فيها من زلازل كما في قولهإذا زلزلت الأرض زلزالها } الزلزلة 1 الآية. و { دكاً دكاً } يجوز أن يكون أولهما منصوباً على المفعول المطلق المؤكِّد لفعله. ولعل تأكيده هنا لأن هذه الآية أول آية ذكر فيها دَكُّ الجبال، وإذ قد كان أمراً خارقاً للعادة كان المقام مقتضياً تحقيق وقوعه حقيقةً دون مجاز ولا مبالغة، فأكد مرتين هنا ولم يؤكد نظيره في قولهفدُكّتَا دَكَّةً واحدة } في سورة الحاقة 14 فــــ { دكّا } الأول مقصود به رفع احتمال المجاز عن «دُكّتا» الدك أي هو دَكّ حقيقي، و { دَكا } الثاني منصوباً على التوكيد اللفظي لدكا الأول لزيادة تحقيق إرادة مدلول الدك الحقيقي لأن دك الأرض العظيمة أمر عجيب فلغرابته اقتضى إثباتُه زيادة تحقيق لمعناه الحقيقي. وعلى هذا درج الرضي قال ويستثنى من منع تأكيد النكرات أي تأكيداً لفظياً شيء واحد وهو جواز تأكيدها إذا كانت النكرة حكماً لا محكوماً عليه كقوله صلى الله عليه وسلم

السابقالتالي
2 3 4