الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ يَصْلَٰهَآ إِلاَّ ٱلأَشْقَى } * { ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } * { وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى } * { ٱلَّذِى يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ } * { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ } * { إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ ٱلأَعْلَىٰ } * { وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ }

قوله تعالى: { لاَ يَصْلاَهَآ إِلاَّ ٱلأَشْقَى * ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ * وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى * ٱلَّذِى يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ }.

هذه الآية من مواضع الإيهام، ولم يتعرض لها في دفع إيهام الاضطراب، وهو أنها تنص وعلى سبيل الحصر، أنه لا يصلى النار ألاَّ الأشقى مع مجيء قوله تعالى:وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً } [مريم: 71] مما يدل على ورود الجميع.

والجواب من وجهين: الأول كما قال الزمخشري: إن الآية بين حالي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين، فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين.

فقيل: الأشقى وجعل مختصاً بالصلى، كأن النار لم تخلق إلا له، وقال الأتقى، وجعل مختصاً بالجنة، وكأن الجنة لم تخلق إلا له، وقيل: عنهما هما أبو جهل أو أمية بن خلف المشركين، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه، حكاه أبو حيان عن الزمخشري.

والوجه الثاني: هو أن الصلى الدخول والشي، وأن يكون وقود النار على سبيل الخلود، والورود والدخول المؤقت بزمن غير الصلى لقوله في آية الورود، التي هي قوله تعالى:وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } [مريم: 71]،ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً } [مريم: 72]، ويبقى الإشكال، بين الذين اتقوا وبين الأتقى ويجاب عنه: بأن التقى يرد، والأتقى لا يشعر بورودها، كمن يمر عليها كالبرق الخاطف. والله تعالى أعلم.

ولولا التأكيد في آية الورود بالمجيء بحرف من وإلا وقوله:كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً } [مريم: 71] لولا هذه المذكورات لكان يمكن أن يقال: إنها مخصوصة بهذه الآية، وأن الأتقى لا يردها، إلاَّ أن وجود تلك المذكورات يمنع من القول بالتخصيص. والله تعالى أعلم.

وفيه تقرير مصير القسمين المتقدمين، من أعطى واتقى وصدق، ومن بخل واستغنى وكذب، وأن صليها بسبب التكذيب والتولي والإعراض وهو عين الشقاء، ويتجنبها الأتقى الذي صدق، وكان نتيجة تصديقه أنه أعطى ماله يتزكى، وجعل إتيان المال نتيجة التصديق أمر بالغ الأهمية.

وذلك أن العبد لا يخرج من ماله شيئاً إلاَّ بعوض، لأن الدنيا كلها معاوضة حتى الحيوان تعطيه علفاً يعطيك ما يقابله من خدمة أو حليب.. إلخ.

فالمؤمن المصدق بالحسنى يعطي وينتظر الجزاء الأوفى الحسنة بعشر أمثالها، لأنه مؤمن أنه متعامل مع الله، كما في قوله:مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } [البقرة: 245].

أما المكذب: فلم يؤمن بالجزاء آجلاً، فلا يخرج شيئاً لأنه لم يجد عوضاً معجلاً، ولا ينتظر ثواباً مؤجلاً، ولذا كان الذين تبؤوا الدار والإيمان، يحبون من هاجر إليهم ويواسونهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، إيماناً بما عند الله، بينما كان المنافقون لا ينفقون إلا كرهاً ولا يخرجون إلا الرديء، الذي لم يكونوا ليأخذوه من غيرهم إلاَّ ليغمضوا فيه، ولك ذلك سببه التصديق بالحسنى أو التكذيب بها.

السابقالتالي
2