الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَحُورٌ عِينٌ } * { كَأَمْثَالِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ }

وفيها قراءات الأولى: الرفع وهو المشهور، ويكون عطفاً على ولدان، فإن قيل قال قبله:حُورٌ مَّقْصُورٰتٌ فِي ٱلْخِيَامِ } [الرحمٰن: 72] إشارة إلى كونها مخدرة ومستورة، فكيف يصح قولك: إنه عطف على ولدان؟ نقول: الجواب عنه من وجهين أحدهما: وهو المشهور أن نقول: هو عطف عليهم في اللفظ لا في المعنى، أو في المعنى على التقدير والمفهوم لأن قوله تعالى:يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدٰنٌ } [الواقعة: 17] معناه لهم ولدان كما قال تعالى:وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ } [الطور: 24] فيكون: { وَحُورٌ عِينٌ } بمعنى ولهم حور عين وثانيهما: وهو أن يقال: ليست الحور منحصرات في جنس، بل لأهل الجنة: { حُورٌ مَّقْصُورٰتٌ } في حظائر معظمات ولهن جواري وخوادم، وحور تطوف مع الولدان السقاة فيكون كأنه قال: يطوف عليهم ولدان ونساء الثانية: الجر عطفاً على أكواب وأباريق، فإن قيل: كيف يطاف بهن عليهم؟ نقول: الجواب سبق عند قوله:وَلَحْمِ طَيْرٍ } [الواقعة: 21] أو عطفاً على:جَنَّـٰتِ } [الواقعة: 12] أي: أولئك المقربون في جنات النعيم وحور وقرىء { حوراً عَيْناً } بالنصب، ولعل الحاصل على هذه القراءة على غير العطف بمعنى العطف لكن هذا القارىء لا بد له من تقدير ناصب فيقول: يؤتون حوراً فيقال: قد رافعاً فقال: ولهم حور عين فلا يلزم الخروج عن موافقة العاطف وقوله تعالى: { كَأَمْثَـٰلِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ } فيه مباحث. الأول: الكاف للتشبيه، والمثل حقيقة فيه، فلو قال: أمثال اللؤلؤ المكنون لم يكن إلى الكاف حاجة، فما وجه الجمع بين كلمتي التشبيه؟ نقول: الجواب المشهور أن كلمتي التشبيه يفيدان التأكيد والزيادة في التشبيه، فإن قيل: ليس كذلك بل لا يفيدان ما يفيد أحدهما لأنك إن قلت مثلاً: هو كاللؤلؤة للمشبه، دون المشبه به في الأمر الذي لأجله التشبيه؟ نقول: التحقيق فيه، هو أن الشيء إذا كان له مثل فهو مثله، فإذا قلت هو مثل القمر لا يكون في المبالغة مثل قولك هو قمر وكذلك قولنا: هو كالأسد، وهو أسد، فإذا قلت: كمثل اللؤلؤ كأنك قلت: مثل اللؤلؤ وقولك: هو اللؤلؤ أبلغ من قولك: هو كاللؤلؤ، وهذا البحث يفيدنا ههنا، ولا يفيدنا في قوله تعالى:لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء } [الشورى: 11] لأن النفي في مقابلة الإثبات، ولا يفهم معنى النفي من الكلام مالم يفهم معنى الإثبات الذي يقابله، فنقول قوله: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء } في مقابلة قول من يقول: كمثله شيء، فنفى ما أثبته لكن معنى قوله: { كَمِثْلِهِ شَيْء } إذا لم نقل بزيادة الكاف هو أن مثل مثله شيء، وهذا كلام يدل على أن له مثلاً، ثم إن لمثله مثلاً، فإذا قلنا: ليس كذلك كان رداً عليه، والرد عليه صحيح بقي أن يقال: إن الراد على من يثبت أموراً لا يكون نافياً لكل ما أثبته، فإذا قال قائل: زيد عالم جيد، ثم قيل رداً عليه: ليس زيد عالماً جيداً لا يلزم من هذا أن يكون نافياً لكونه عالماً، فمن يقول: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء } بمعنى ليس مثل مثله شيء لا يلزم أن يكون نافياً لمثله، بل يحتمل أن يكون نافياً لمثل المثل، فلا يكون الراد أيضاً موحداً فيخرج الكلام عن إفادة التوحيد، فنقول: يكون مفيداً للتوحيد لأنا إذا قلنا: ليس مثل مثله شيء لزم أن لا يكون له مثل لأنه لو كان له مثل لكان هو مثل مثله، وهو شيء بدليل قوله تعالى:

السابقالتالي
2