الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلأَذَلِّينَ } * { كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } * { لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوۤاْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ ٱللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } من المنافقين وغيرهم، { أُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلأَذَلِّينَ } الأسفلين.

{ كَتَبَ ٱللَّهُ } قضى { لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ } قال المفسرون: مَنْ بُعث من الرسل بالحرب فعاقبة الأمر له، ومن لم يبعث بالحرب فهو غالبٌ بالحجة.

{ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } فهو ينصر حزبَه وأولياءه، ويخذل أعداءه. قوله تعالى: { لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } يعني: إيماناً حقيقياً لا فرية فيه ولا مرية، { يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } قال الزمخشري: هذا من باب التخييل، خيل أن مِنَ الممتنع المحال: أن تجد قوماً [مؤمنين] يوالون المشركين، والغرضُ به أنه لا ينبغي أن يكون ذلك، وحقه أن يمتنع ولا يوجد بحال، مبالغة في النهي عنه والزجر عن ملابسته، والتوصية بالتصلب في [مجانبة] أعداء الله، وزاد ذلك تشديداً بقوله: { وَلَوْ كَانُوۤاْ آبَآءَهُمْ } وبقوله: { أُوْلَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ } وبمقابلة قوله:أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ } [المجادلة: 19]، وبقوله: { أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ ٱللَّهِ } ، فلا تجد شيئاً أَدْخَلُ في الإخلاص من موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه.

واختلفوا فيمن نزلت هذه الآية؛ فقال ابن جريج: " حُدثتُ أن أبا قحافة سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم [فصكّه أبو بكر صكّة] سقط منها. ثم ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال: [أو فعلته]؟ قال: نعم. قال: فلا تَعُد. فقال أبو بكر: والله! لو كان السيف مني قريباً لقتلته، فأنزل الله هذه الآية ".

وقال ابن مسعود: نزلتْ في أبي عبيدة بن الجراح قتل أباه يوم أحد، وفي أبي بكر دعا ابنه يوم بدر إلى البِراز فقال: يا رسول الله دعني أكون في الرعيل الأول؟ فقال: أمتعنا بنفسك يا أبا بكر، وفي مصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير يوم أُحُد، وفي عمر بن الخطاب قتل خاله العاص بن هشام يوم بدر، وفي علي وحمزة قتلا عتبة وشيبة ابني ربيعة.

وقال السدي: نزلتْ في عبد الله بن عبد الله بن أبيّ بن سلول، وذلك أنه كان جالساً إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ماء، فقال عبد الله: يا رسول الله أبق فضلة من شرابك؟ قال: وما تصنع بها؟ قال: أسقيها أبي لعل الله سبحانه وتعالى يطهّر قلبه، ففعل، فأتى بها أباه. فقال: ما هذا؟ قال: فضلة شراب رسول الله صلى الله عليه وسلم جئتك بها لتشربها، لعل [الله] يطهر قلبك، فقال: هلاّ جئتني ببول أمك، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي في قتل أبي، [فقال] رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارفق به وأحسن إليه، فنزلت هذه الآية.

وقيل: نزلت في قصة حاطب بن أبي بلتعة. وسنذكرها إن شاء الله في أول الممتحنة.

قوله تعالى: { كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ } أي: أثبت في قلوبهم التصديق.

ومعناه: جمع في قلوبهم الإيمان حى استكملوه.

{ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ } قال ابن عباس: هو النصر، سمي روحاً؛ لأن به حياةَ أمرهم.

وقال الربيع: الرُّوح: القرآن.

وقال السدي: الإيمان.

وقال مقاتل: الرحمة.

وقيل: جبريل عليه السلام.

وما بعده ظاهر ومُفسّر إلى آخر السورة. والله أعلم.