الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } * { وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } * { يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ } * { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ } * { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ }

قرأ ابن كثير وأهل الكوفة { واتبعتهم } بالتاء { ذريتهم } على واحدة { بهم ذريتهم } على واحدة ايضاً. وقرأ نافع { واتبعتهم } بالتاء { ذريتهم } على واحدة { بهم ذرياتهم } على الجمع. وقرأ ابن عامر { واتبعتهم ذرياتهم } بالتاء على الجمع { بهم ذرياتهم } جماعة ايضاً. وقرأ ابو عمرو { أتبعناهم } بالنون { ذرياتهم } جماعة { ألحقنا بهم ذرياتهم } جماعة ايضاً. وقرأ ابن كثير وحده { وما ألتناهم } بفتح الألف وكسر اللام. الباقون - بفتح الألف واللام - وقرأ ابن كثير وأبو عمرو { لا لغوا فيها ولا تأثيم } نصباً. الباقون بالرفع والتنوين. قال الزجاج: فمن رفع فعلى ضربين: احدهما - على الابتداء و (فيها) الخبر، والثاني - أن تكون (لا) بمعنى ليس رافعة وانشد سيبويه:
من فر عن نيرانها   فأنا ابن قيس لا براح
ومن نصب بنى كقولهلا ريب فيه } والاختيار عند النحويين إذا كررت (لا) الرفع. والنصب جائز حسن.

يقول الله تعالى { والذين آمنوا } بالله وأقروا بتوحيده وصدقوا رسله { واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم } من قرأ بالنون معناه، وألحقنا بهم ذرياتهم أي ألحق الله بهم ذرياتهم يعني حكم لهم بذلك. ومن قرأ { واتبعتهم } نسب الاتباع إلى الذرية. والمعنى إنهم آمنوا كما آمنوا، فمن جمعه فلاختلاف اجناس الذرية، ومن وحد، فلانه يقع على القليل والكثير، وإنما قرأ ابو عمرو { أتبعناهم } بالنون لقوله بعد ذلك { ألحقنا } وقال البلخي: معنى الآية إن ثواب الذرية إذا عملوا مثل أعمال الاباء يثابون مثل ثواب الاباء، لان الثواب على قدر الاعمال. ولما قال { واتبعناهم ذرياتهم } بين أن ذلك يفعل بهم من غير ان ينقص من أجورهم، لئلا يتوهم انه يلحقهم نقص أجر. وقال الزجاج: معنى الآية إن الابناء إذا كانوا مؤمنين فكانت مراتب آبائهم فى الجنة أعلا من مراتبهم ألحق الابناء بالآباء، ولم ينقص الآباء من أعمالهم، وكذلك إن كان اعمال الآباء انقص ألحق الآباء بالابناء. والاتباع إلحاق الثاني بالاول فى معنى عليه الأول، لانه لو ألحق به من غير أن يكون فى معنى هو عليه لم يكن إتباعاً، وكان إلحاقاً. وإذا قيل: اتبعه بصره فهو الادراك، وإذا قيل: تبعه فهو يصرف البصر بتصرفه.

وقوله { ألحقنا بهم ذرياتهم } قال ابن عباس والضحاك وابن زيد: الحقوا الأولاد بالاباء إذا آمنوا من أجل إيمان الأباء. وفى رواية أخرى عن ابن عباس: أن التابعين الحقوا بدرجة آبائهم، وإن قصرت اعمالهم تكرمة لآبائهم والاول هو الوجه. وإنما وجب بالايمان إلحاق الذرية بهم مع أنهم قد يكون ليس لهم ذرية لانه إنما يستحق ذلك السرور على ما يصح ويجوز مع أنه إذا اتبع الذرية على ما أمر الله به استحق الجزاء فيه، فان أبطلته الذرية عند البلوغ بسوء عمل، وِّفي سروره فى أمر آخر كما أن اهل الجنة من سرورهم ما ينزل باعدائهم فى النار، فلو عفى عنهم لوفوا سرورهم بأمر آخر.

السابقالتالي
2