الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلْجَنَّةِ وَٱلْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }

الحكـم السـادسفيما يتعلق بالنكاح اعلم أن هذه الآية نظير قوله:وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ } [الممتحنة:10] وقرىء بضم التاء، أي لا تزوجوهن وعلى هذه القراءة لا يزوجونهن. واعلم أن المفسرين اختلفوا في أن هذه الآية ابتداء حكم وشرع، أو هو متعلق بما تقدم، فالأكثرون على أنه ابتداء شرع في بيان ما يحل ويحرم، وقال أبو مسلم: بل هو متعلق بقصة اليتامى، فإنه تعالى لما قال:وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوٰنُكُمْ } [البقرة: 220] وأراد مخالطة النكاح عطف عليه ما يبعث على الرغبة في اليتامى، وأن ذلك أولى مما كانوا يتعاطون من الرغبة في المشركات، وبين أن أمة مؤمنة خير من مشركة وإن بلغت النهاية فيما يقتضي الرغبة فيها، ليدل بذلك على ما يبعث على التزوج باليتامى، وعلى تزويج الأيتام عند البلوغ ليكون ذلك داعية لما أمر به من النظر في صلاحهم وصلاح أموالهم، وعلى الوجهين فحكم الآية لا يختلف، ثم في الآية مسائل: المسألة الأولى: روي عن ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام بعث مرثد بن أبـي مرثد حليفاً لبني هاشم إلى مكة ليخرج أناساً من المسلمين بها سراً، فعند قدومه جاءته امرأته يقال لها عناق خليلة له في الجاهلية، أعرضت عنه عند الإسلام، فالتمست الخلوة، فعرفها أن الإسلام يمنع من ذلك، ثم وعدها أن يستأذن الرسول صلى الله عليه وسلم ثم يتزوج بها، فلما انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفه ما جرى في أمر عناق، وسأله هل يحل له التزوج بها فأنزل الله تعالى هذه الآية. المسألة الثانية: اختلف الناس في لفظ النكاح، فقال أكثر أصحاب الشافعي رحمه الله: إنه حقيقة في العقد، واحتجوا عليه بوجوه أحدها: قوله عليه الصلاة والسلام: " لا نكاح إلا بولي وشهود " وقف النكاح على الولي والشهود، والمتوقف على الولي والشهود هو العقد لا الوطء، والثاني: قوله عليه الصلاة والسلام: " ولدت من نكاح ولم أولد من سفاح " دل الحديث على أن النكاح كالمقابل للسفاح، ومعلوم أن السفاح مشتمل على الوطء، فلو كان النكاح اسماً للوطء لامتنع كون النكاح مقابلاً للسفاح وثالثها: قوله تعالى:وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَـٰمَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّـٰلِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ } [النور: 32] ولا شك أن لفظ أنكحوا لا يمكن حمله إلا على العقد، ورابعها: قول الأعشى، أنشده الواحدي في «البسيط»:
فلا تقربن من جارة إن سرها   عليك حرام فانكحن أو تأيما
وقوله: { فانكحن } لا يحتمل إلا الأمر بالعقد، لأنه قال: «لا تقربن جارة» يعني مقاربتها على الطريق الذي يحرم فاعقد وتزوج وإلا فتأيم وتجنب النساء، وقال الجمهور من أصحاب أبـي حنيفة: أنه حقيقة في الوطء، واحتجوا عليه بوجوه أحدها: قوله تعالى: { فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } نفي الحل ممتد إلى غاية النكاح، والنكاح الذي تنتهي به هذه الحرمة ليس هو العقد بدليل قوله عليه الصلاة والسلام:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8