الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلْجَنَّةِ وَٱلْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }

اختلف أهل التأويل في تأويل هذه الآية.

فقال قائلون: الحظر على كل مشرك ومشركة - كتابيّاً كان أو غير كتابي - ثم نسخ بقوله:وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ } [المائدة: 5]. فالإماء على الحصر؛ لأنه إنما استثنى الحرائر دون الإماء بقوله:وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } [المائدة: 5].

وقال آخرون: هو على المشركات خاصة دون الكتابيات، والكتابيات مستثنيات، فدخلت كل كتابية - حرة كانت أو أمة - [تحت الاستثناء]؛ لأن الاستثناء إذا كان عن جملة الأديان سوى دين الكتابيات لم يحتمل دخول بعض أهل ذلك الدين دون بعض، والذي يدل عليه قوله تعالى: { وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ } ، فجعل الأمة المؤمنة خيراً بالنكاح من المشركة، ومن قوله إنه بالقدرة على طول الحرة الكافرة لا يباح له نكاح الأمة المؤمنة. فبان أن موقع الآية ليس على التناسخ على ما يقوله على أن الإماء يدخلن تحت قوله عز وجل:وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ } [النساء: 24]، دليله قوله تعالى:فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } [النساء: 25]. فثبت أنهن قد يتعففن فيستوجبن اسم الإحصان، وقد جعل شرط الحل هو ذكر الإحصان. وقوله أيضاً:وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } [النور: 33]، وقوله:وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ } [النساء: 24], مستثنياً الإماء من جملة المحصنات؛ دل أنهن دخلن في الخطاب. وقد أجمع على أنهن تحل لنا بالسبي، وكل مذكور في الكتاب يستوي الحل فيه إلا من جهة العدو. فإذا أبيح لنا تزويج المسبيات منهن كالحرائر، ثبت أنه محكوم بحكمهن في النكاح، فبطل قول من أبطل نكاح الإماء؛ إذ ثبت أن الآية بخلاف ما قال. وبالله التوفيق.

ثم الآية تضمنت أحكاماً:

منها: أن من قول أصحابنا - رحمهم الله تعالى أجمعين -: أن المناهي بحيث النهي لا توجب الحرمة.

والثاني: أن الآية كيف كان حملها على الخصوص في بعض أحق والعموم في بعض ومخرج الخطابين واحد.

والثالث: أن في الآية ذكر المنع، لعلة وهي الدعوة إلى النار، فكيف لم يلزم حفظ ما لأجله وجب الحرمة على وجوده؟ وهذا هو الأصل: أن تحفظ الأحكام المعللة بالعلل ما دامت توجد العلل.

والرابع: البيان في تولي النكاح؛ إذ للأولياء خرج الخطاب بقوله: { وَلاَ تُنْكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ }.

وأما قولنا في النهي: فإن النهي يوجب الانتهاء، ولكن لا يوجب الحرمة إلا بدليل يقوم على مراد الحرمة في النهي، لما رأينا من المناهي كثيرة لم توجب الحرمة، فلو كان نفس النهي موجباً ذلك لوجب أن يوجب في كل ذلك، فلما لم يوجب ذلك، دل أن نفسه لا توجب الحرمة، ولكن الدليل هو الموجب للحرمة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8