الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ }

{ وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ } أخرج الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم عن أنس رضي الله تعالى عنهم " أن اليهود كانوا إذا/ حاضت المرأة منهم أخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيوت، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فأنزل الله هذه الآية فقال صلى الله عليه وسلم: «جامعوهنّ في البيوت واصنعوا كل شيء إلا النكاح " وعن السدي ـ إن الذي سأل عن ذلك ثابت بن الدحداح رضي الله تعالى عنه ـ والجملة معطوفة على ما تقدم من مثلها، ووجه مناسبتها له أنه لما نهى عن مناكحة الكفار ورغب في مناكحة أهل الإيمان بين حكماً عظيماً من أحكام النكاح، وهو حكم النكاح في الحيض، ولعل حكاية هذه الأسئلة الثلاثة بالعطف لوقوع الكل في وقت واحد عرفي، وهو وقت السؤال عن الخمر والميسر فكأنه قيل: يجمعون لكل بين السؤال عنهما والسؤال عن كذا وكذا؛ وحكاية ما عداها بغير عطف لكونها كانت في أوقات متفرقة فكان كل واحد سؤالاً مبتدأ؛ ولم يقصد الجمع بينهما بل الإخبار عن كل واحد على حدة، فلهذا لم يورد الواو بينها.

وقال صاحب «الانتصاف» في بيان العطف والترك: إن أول المعطوفات عين الأول من المجردة، ولكن وقع جوابه أولاً بالمصرف لأنه الأهم، وإن كان المسؤول عنه إنما هو المنفق لا جهة مصرفه ثم لما لم يكن في الجواب الأول تصريح بالمسؤول عنه أعيد السؤال ليجابوا عن المسؤول عنه صريحاً، وهو العفو الفاضل فتعين إذاً عطفه ليرتبط بالأوّل، وأما السؤال الثاني من المقرونة فقد وقع عن أحوال اليتامى، وهل يجوز مخالطتهم في النفقة والسكنى فكان له مناسبة مع النفقة باعتبار أنهم إذا خالطوهم أنفقوا عليهم فلذا عطف على سؤال الإنفاق، وأما السؤال الثالث فلما كان مشتملاً على اعتزال الحيض ناسب عطفه على ما قبله لما فيه من بيان ما كانوا يفعلونه من اعتزال اليتامى، وإذا اعتبرت الأسئلة المجردة من الواو لم تجد بينها مداناة ولا مناسبة ألبتة إذ الأول منها عن النفقة والثاني عن القتال في الشهر الحرام، والثالث عن الخمر والميسر وبينها من التباين والتقاطع ما لا يخفى فذكرت كذلك مرسلة متقاطعة غير مربوطة بعضها ببعض، وهذا من بدائع البيان الذي لا تجده إلا في الكتاب العزيز ا هـ. ولا أرى القلب يطمئن به كما لا يخفى على من أحاط خبراً بما ذكرناه فتدبر.

والمحيض كما قال الزجاج وعليه الكثير مصدر حاضت المرأة تحيض حيضاً ومحاضاً فهو كالمجيء والمبيت وأصله السيلان يقال: حاض السيل وفاض قال الأزهري: ومنه قيل: للحوض حوض لأن الماء يحيض إليه أي يسيل، والعرب تدخل الواو على الياء لأنهما من جنس واحد، وقيل: إنه هنا اسم مكان، ونسب إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

السابقالتالي
2 3 4 5