الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

{ فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ } مما نزل بهم من الشدة والكربة، والفاء للدلالة على سرعة الإجابة { إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ } أي فاجأوا الفساد فيها وسارعوا إليه مترامين في ذلك ممعنين فيه من قولهم: بغى الجرح إذا ترامى في الفساد، وزيادة { فِي ٱلأَرْضِ } للدلالة على شمول بغيهم لأقطارها، وصيغة المضارع للدلالة على التجدد والاستمرار، وقوله سبحانه وتعالى: { بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } تأكيداً لما يفيده البغي إذ معناه أنه بغير الحق عندهم أيضاً بأن يكون ظلماً ظاهراً لا يخفى قبحه على كل أحد كما قيل نحو ذلك في قوله تعالى:وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيّينَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } [البقرة: 61].

وقد فسر البغي بإفساد صورة الشيء وإتلاف منفعته وجعل { بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } للاحتراز مما يكون من ذلك بحق كتخريب الغزاة ديار الكفرة وقطع أشجارهم وحرق زروعهم كما فعل صلى الله عليه وسلم ببني قريظة. وتعقب بأنه مما لا يساعده النظم الكريم لأن البغي بالمعنى الأول هو اللائق بحال المفسدين فينبغي بناء الكلام عليه. والزمخشري اختار كون ذلك للاحتراز عما ذكر. وذكر في «الكشف» أنه أشار بذلك إلى أن الفساد اللغوي خروج الشيء من الانتفاع فلا كل بغي ـ أي فساد في الأرض واستطالة فيها ـ كذلك كما علمت وإن كان موضوعه العرفي للاستطالة بغير حق لكن النظر إلى موضوعه الأصلي، وقيل: إن البغي الذي يتعدى بفي بمعنى الإتلاف والإفساد وهو يكون حقاً وغيره والذي يتعدى بعلى بمعنى الظلم، وتقييد الأول بغير / الحق للاحتراز وتقييد الثاني به للتأكيد، ولعل من يجعل البغي هنا بمعنى الظلم يقول: إن المعنى يبغون على المسلمين مثلاً فافهم.

{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } توجيه الخطاب إلى أولئك الباغين للتشديد في التهديد والمبالغة في الوعيد { إِنَّمَا بَغْيُكُمْ } الذي تتعاطونه وهو مبتدأ خبره قوله سبحانه: { عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } أي عليكم في الحقيقة لا على الذين تبغون عليهم وإن ظن كذلك، وقوله تعالى: { مَّتَاعَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } نصب على أنه مصدر مؤكد لفعل مقدر بطريق الاستئناف أي تتمتعون متاع الحياة الدنيا، والمراد من ذلك بيان كون ما في البغي من المنفعة العاجلة شيئاً غير معتد به سريع الزوال دائم الوبال، وقيل: إنه منصوب على أنه مصدر واقع موقع الحال أي متمتعين، والعامل هو الاستقرار الذي في الخبر ولا يجوز أن يكون نفس البغي لأنه لا يجوز الفصل بين المصدر ومعموله بالخبر، وأيضاً لا يخبر عن المصدر إلا بعد تمام صلاته ومعمولاته. وتعقب بأنه ليس في تقييد كون بغيهم على أنفسهم بحال تمتعهم بالحياة الدنيا معنى يعتد به.

وقيل: على أنه ظرف زمان كمقدم الحاج أي زمان متاع الحياة الدنيا والعامل فيه الاستقرار أيضاً وفيه ما في سابقه، وقيل: على أنه مفعول لفعل دل عليه المصدر أي تبغون متاع الحياة الدنيا.

السابقالتالي
2 3