الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ }

{ ذَلِكَ ٱلَّذِى يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ }.اسم الإشارة مؤكد لنظيره الذي قبله، أي ذلك المذكور الذي هو فضل يحصل لهم في الجنّة هو أيضاً بشرى لهم من الحياة الدنيا.والعائد من الصلة إلى الموصول محذوف تقديره الذي يبشر الله به عباده. وحذفه هنا لتنزيله منزلة الضمير المنصوب باعتبار حذف الجار على طريقة حذفه في نحو قولهواختار موسى قومه } الأعراف 155 بتقدير من قومه، فلما عومل معاملة المنصوب حذف كما يحذف الضمير المنصوب.وقرأ نافع وعاصم وابن عامر ويعقوب وخلف { يبشر } بضم التحتية وفتح الموحدة وتشديد الشين المكسورة، وهو من بشّره، إذا أخبره بحادثٍ يسره. وقرأه ابن كثير وأبو عمر وحمزة والكسائي { يَبْشُر } بفتح التحتية وسكون الموحدة وضم الشين مخففة، يقال بشرت الرجل بتخفيف الشين أبشرُهُ من باب نصر إذا غبطه بحادث يَسرّه.وجَمعُ العباد المضافُ إلى اسم الجلالة أو ضميرِه غَلَب إطلاقه في القرآن في معرض التقريب وترفيع الشّأن، ولذلك يكون موقع { الذين آمنوا وعملوا الصالحات } هنا موقع عطف البيان على نحو قوله تعالىألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون } يونس 62، 63 إذ وقع { الذين آمنوا } موقع عطف البيان من { أولياء الله }. { قُل لاَّ أَسْـأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِى ٱلْقُرْبَىٰ }.استئناف ابتدائي بمناسبة ذكر ما أعد للمشركين من عذاب وما أعد للمؤمنين من خير، وضمير جماعة المخاطبين مراد به المشركون لا محالة وليس في الكلام السابق ما يتوهم منه أن يكون { قل لا أسألكم } جواباً عنه، فتعين أن جملة { قل لا أسألكم عليه أجراً } كلام مستأنف استئنافاً ابتدائياً.ويظهر مما رواه الواحدي في «أسباب النزول» عن قتادة أن المشركين اجتمعوا في مجمع لهم فقال بعضهم لبعض أترون محمداً يَسأل على ما يتعاطاه أجراً. فنزلت هذه الآية، يعنون إن كان ذلك جمعنا له مالاً كما قالوه له غير مرة، أنها لا اتصال لها بما قبلها وأنها لما عرض سبب نزولها نزلت في أثناء نزول الآيات التي قبلها والتي بعدها فتكون جملة ابتدائية. وكان موقعها هنا لمناسبة ما سبق من ذكر حجاج المشركين وعنادهم فإن مناسبتها لما معها من الآيات موجودة إذ هي من جملة ما واجه به القرآن محاجّة المشركين، ونفَى به أوهامهم، واستفتح بصائرهم إلى النظر في علامات صدق الرسول فهي جملة ابتدائية وقعت معترضة بين جملة { والذين آمنوا وعملوا الصالحات } وجملة { ومن يقترف حسنة }.وابتدئت بــ { قل } إما لأنها جواب عن كلام صدر منهم، وإمّا لأنها مما يهتم بإبلاغه إليهم كما أن نظائرها افتتحت بمثل ذلك مثل قوله تعالىقل ما سألتكم من أجر فهو لكم } سبأ 47 وقولهقل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين }

السابقالتالي
2 3