الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ }

قوله تعالى: { ذَلِكَ.. } [الشورى: 23] إشارة إلى نعيم الجنة { ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ.. } [الشورى: 23] والبشارة هي الإخبار بالخير قبل أوانه، ثم ينتقل السياق إلى قضية أخرى متعلقة برسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر الدعوة { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً.. } [الشورى: 23] يعني: قل لهم يا محمد: إنني لا أريد منكم أجراً على الدعوة والمهمة التي أقوم بها من أجلكم، وأنت لا تقول هذه الكلمة إلا إذا كنت قد عملتَ عملاً تستحق عليه أجراً بالفعل. فالمعنى كأنه يقول: إن العمل الذي أقوم به من أجلكم كان يجب أن يكون لي عليه أجر، لأنني أنصحكم وأدلكم على ما ينفعكم، ومع ذلك لا أريد منكم أجراً. وكل رسل الله قالوا هذه الكلمة، لأن الإنسان عادة يجازي مَنْ أسدى إليه جميلاً أو دلَّه على خير أو أشار عليه مشورة تريحه، لذلك في كثير من مواكب الرسالات نقرأ:وَيٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ.. } [هود: 29] نعم على الله، لماذا؟ لأنه عمل عظيم نفيس وشريف، لا يمكن لبشر أنْ يُقدره قدره، أو يعطي عليه ما يستحق من أجر، إذن: لا يعطيني أجري إلا الله الذي بعثني. قلنا: كل الرسل قالوا هذه الكلمة إلا سيدنا إبراهيم وسيدنا موسى عليهما السلام، لماذا؟ قالوا: لأن سيدنا إبراهيم أول ما دعا دعا أباه آزر، فكيف يطلب منه أجراً؟ كذلك سيدنا موسى أول ما دعا دعا فرعون، وكان له عليه فضل التربية. إذن: لا أريد منكم أجراً على مهمة الدعوة التي أقوم بها، فأجري فيها على الله الذي بعثني، وهو الذي يُقدِّرها قدرها، شيء واحد أريده منكم { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ.. } [الشورى: 23] يعني: مودتكم لقرابتي. والمودة: ميل القلب إلى مَنْ تواده ثم معاملته بما يستحق من تكريم وتقدير. فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهم: لقد أُرسِلْتُ إلى الناس كافة، وقد قابلتموني بالإيذاء وجابهتموني بالعداء واضطهدتم أصحابي، وألجأتموني إلى غيركم مرة إلى الطائف، ومرة إلى القبائل الأخرى، وألجأتم أصحابي إلى أن يتركوا بلادهم وديارهم، وأنا لي في كل بطن من بطون قريش قرابة حتى في المدينة حيث أخوالي من بني النجار، فلا أقلَّ من أنْ تعطوني حقي في قرابتي، وحق القرابة ألاَّ تؤذوني، فأنا لا أجبركم على الإسلام ولا أفعل ما يدعو إلى الإيذاء، كذلك من حق القرابة ألاَّ تُسْلموني لعدوي، فهذا حقي عليكم. أو يكون المعنى { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ.. } [الشورى: 23] يعني: أقاربي وأهل بيتي، ذلك لأن أقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم حرموا من مُعين على العيش، فليسوا كباقي المسلمين، حيث حُرِّمتْ عليهم أموال الزكاة التي يستحقها الفقير من غيرهم، فلا أقلَّ من أن تعاملوهم بالحسنى وبالمعروف، وتراعوا منزلتهم مني.

السابقالتالي
2 3