الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِسَالاَتِهِ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً }

وقوله تعالى: { إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ ٱللَّهِ } استثناء من مفعوللاَ أَمْلِكُ } [الجن: 21] كما يشير إليه كلام قتادة، وما بينهما اعتراض مؤكد لنفي الاستطاعة فلا اعتراض بكثرة الفصل المبعدة لذلك، فإن كان المعنى لا أملك أن أضركم ولا أنفعكم كان استثناء متصلاً كأنه قيل لا أملك شيئاً إلا بلاغاً وإن كان المعنى لا أملك أن أقسركم على الغي والرشد كان منقطعاً أو من باب:
لا عيب فيهم/   غير أن سيوفهم
كما في «الكشف». وظاهر كلام بعض الأجلة أنه إما استثناء متصل منرَشَداً } [الجن: 21] فإن الإبلاغ إرشاد ونفع والاستثناء من المعطوف دون المعطوف عليه جائز وإما استثناء منقطع منمُلْتَحَداً } [الجن: 22] قال الرازي: لأن البلاغ من الله تعالى لا يكون داخلاً تحت قوله سبحانه { مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } لأنه لا يكون من دون الله سبحانه بل منه جل وعلا وبإعانته وتوفيقه. وفي «البحر» قال الحسن هو استثناء منقطع أي لن يجيرني أحد لكن إن بلغت رحمني بذلك. والإجارة مستعارة للبلاغ اذ هو سبب إجارة الله تعالى ورحمته سبحانه. وقيل هو على هذا المعنى استثناء متصل والمعنى لن أجد شيئاً أميل إليه وأعتصم به إلا أن أبلغ وأطيع فيجيرني فيجوز نصبه على الاستثناء من { مُلْتَحَداً } أو على البدل وهو الوجه لأن قبله نفياً وعلى البدل خرجه الزجاج انتهى والأظهر ما تقدم وقيل أن (إلا) مركبة من إن الشرطية و(لا) النافية والمعنى أن لا أبلغ بلاغاً وما قبله دليل الجواب فهو كقولك إلا قياماً فقعوداً وظاهره ان المصدر سد مسد الشرط كمعمول كان، ولهم في حذف جملة الشرط مع بقاء الأداة كلام والظاهر أن اطراد حذفه مشروط ببقاء لا كما في قوله:
فطلقها فلست لها بكفء   وإلا يعل مفرقك الحسام
ما لم يسد مسده شيء من معمول أو مفسر كـوَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ } [التوبة: 6] والناس مجزيون بأعمالهم إن خيراً فخير وهذا الوجه خلاف المتبادر كما لا يخفى.

وقوله تعالى: { وَرِسَـٰلَـٰتِهِ } عطف على { بَلاَغاً } و { مِّنَ ٱللَّهِ } متعلق بمحذوف وقع صفة له أي بلاغاً كائناً من الله وليس بصلة له لأنه يستعمل بعن كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " بلغوا عني ولو آية " والمعنى على ما علمت أولاً في الاستثناء لا أملك لكم إلا تبليغاً كائناً منه تعالى ورسالاته التي أرسلني عز وجل بها. وفي «الكشف» في الكلام إضمار أي بلاغ رسالاته، وأصل الكلام الإ بلاغ رسالات الله فعدل إلى المنزل ليدل على التبليغين مبالغة وأن كلاً من المعنيين أعني كونه من الله تعالى وكونه بلاغ رسالاته يقتضي التشمر لذلك انتهى. وفي عبارة «الكشاف» رمز ما إليه لكن قيل عليه لا ينبغي تقدير المضاف فيه أعني بلاغ فإنه يكون العطف حينئذٍ من عطف الشيء على نفسه إلا أن يوجه بأن البلاغ من الله تعالى فيما أخذه عنه سبحانه بغير واسطة والبلاغ للرسالات فيما هو بها وهو بعيد غاية البعد فافهم.

السابقالتالي
2