الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

قوله: { وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا }.

قال بعضهم: { وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ } ، هن المطلقات، يرضعن أولادهن، وهو كقوله تعالى:فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } [الطلاق: 6]، ذكر هاهنا الأجر، وذكر هناك الرزق والكسوة، وهما واحد.

وقال آخرون: لا، ولكن قوله: { وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ } هن المنكوحات، وقوله:فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } [الطلاق: 6] هن المطلقات. دليل ذلك: ذكر الأجر في أحدهما، والرزق والكسوة في الأخرى، على أن المنكوحة إذا استؤجرت على رضاع ولدها منه لم يستوجب الأجر، ويستوجب قبل الزوج الرزق والكسوة؛ فدل هذا على أن ذكر الأجر في المطلقات، وذكر الرزق والكسوة في المنكوحات.

فإن قيل: ما فائدة ذكر الرزق والكسوة في المنكوحة في الرضاع، وقد يستوجب ذلك في غير الرضاع؟

قيل: فائدة ذكر الرزق والكسوة فيه - والله أعلم - لأنها تحتاج إلى فضل طعام وفضل كسوة لمكان الرضاع؛ ألا ترى أن لها أن تفطر لذلك؟! فثبت أن لها فضل حاجة في حال الرضاع ما لا يقع لها تلك الحاجة في غير حال الرضاع؛ فخرج ذكر الرزق والكسوة فيه - والله أعلم - ذكر تلك الزيادة والفضل، والله أعلم.

وفي القرآن دليل أن مؤنة الرضاع على الأب من أوجه:

أحدها: قوله تعالى:وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ } [الطلاق: 6].

والثاني: قوله عز وجل: { وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ }.

والثالث: قوله تعالى: { لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ }.

فثبت أنه حق على الوالد إلى أن ذكر فيه إيتاء الأجر.

وفيه دلالة على أن شرط الطعام والكسوة للظئر يجوز بقوله تعالى: { وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ } ، غير أن الكسوة لا تجوز إلا بإعلام الجنس، والطعام يجوز؛ لأن الظئرة تكسي كسوة الأهل وتطعم طعامهم. فلا بد في الكسوة من إعلام جنسه، إذ لا يجوز أن تكون كسوة واحدة لها وللأهل، ويجوز في الطعام ذلك؛ لأن الكسوة ليست بذي غاية تعرف، فاحتيج إلى ذكر الجنس ليقع في حد قرب المعرفة والعلم، وأما الطعام فهو ذو غاية عند الناس غير متفاوت ولا متفاضل عندهم؛ لذلك جاز هذا، ولم يجز الآخر إلا أن يعلم الجنس، فإذا علم الجنس فحينئذ يصير عندهم كالطعام. والله أعلم.

قال الشيخ - رحمه الله تعالى - فدل على جوازه قوله تعالى: { وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ } ، أي - والله أعلم - مثل ما على المولود له، ويكون ذلك بعد موته؛ لذلك يجوز شرط الكسوة والطعام في الرضاع.

السابقالتالي
2 3 4 5 6