الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ وَأَن تَعْفُوۤاْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَنسَوُاْ ٱلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

قولُه تعالى: { وَقَدْ فَرَضْتُمْ }: هذه الجملةُ في موضع نصبٍ على الحالِ، وذو الحالِ يجوزُ أن يكونَ ضميرَ الفاعلِ، وأَنْ يكونَ ضميرَ المفعولِ لأنَّ الرابطَ موجودٌ فيهما. والتقديرُ: وإنْ طَلَّقتموهنَّ فارِضين لهن أو مفروضاً لهن، و " فريضة " فيهما الوجهان المتقدمان.

والفاءُ في " فنصفُ " جوابُ الشرطِ، فالجملةُ في محلِّ جزمِ جواباً للشرطِ، وارتفاعُ " نصفُ " على أحدِ وجهين: إمَّا الابتداءُ والخبر حينئذ محذوفٌ، وإنْ شِئْتَ قَدَّرْتُه قبله، أي: فعليكم أو فَلَهُنَّ نصفُ، وإنْ شِئْتَ بعدَه أي: فنصفُ ما فرضتُم عليكم - أو لَهُنَّ - وإمَّا على خبرِ مبتدأٍ محذوفٍ تقديرُه: فالواجبُ نصفُ.

وقرأ فرقة: " فنصفَ " بالنصبِ على تقدير: " فادْفَعُوا أو أَدُّوا ". وقال أبو البقاء: ولو قُرِىء بالنصبِ لكان وجهُه " فأَدُّوا نصفَ " فكأنه لم يَطَّلِعْ عليها قراءةً مرويَّةً.

والجمهورُ على كسر نونِ " نِصْف ". وقرأ زيد وعلي، ورواها الأصمعي قراءةً عن أبي عمرو: " فَنُصف " بضمِّ النون هنا وفي جميع القرآن، وهما لغتان. وفيه لغةٌ ثالثة: " نَصيف " بزيادةِ ياءٍ، ومنه الحديث: " ما بَلَغ مُدَّ أحدِهم ولا نَصِيفه " و " ما " في " ما فرضتم " بمعنى الذي، والعائدُ محذوفٌ لاستكمالِ الشروطِ، ويَضْعُفُ جَعْلُها نكرةً موصوفةً/.

قوله: { إَلاَّ أَن يَعْفُونَ } في هذا الاستثناءِ وجهان، أحدُهما: أن يكونَ استثناءً منقطعاً، قال ابن عطية وغيرُه: " لأنَّ عفوهُنَّ عن النصف ليس من جنسِ أَخْذِهِنَّ ". والثاني: أنه متصلٌ، لكنه من الأحوال، لأنَّ قولَه: { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } معناه: فالواجبُ عليكم نصفُ ما فَرَضْتُم في كلِّ حال إلا في حالِ عَفْوِهِنَّ، فإنه لا يَجِبُ، وإليه نحا أبو البقاء، وهذا ظاهرٌ، ونظيرُه:لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ } [يوسف: 66]. قال الشيخ: " إلاَّ أَنْ مَنْ مَنَعَ أَنْ تَقع أَنْ وصلتُها حالاً كسيبويه فإنه يمنعُ ذلك، ويكونُ حينئذٍ منقطعاً ".

وقرأ الحسن " يَعْفُونَه " بهاء مضمومةٍ، وفيها وجهان، أحدهما: أنها ضميرٌ يعودُ على النصفِ. والأصلُ: إلاَّ أَنْ يَعْفُونَ عنه، فَحُذِف حرفُ الجرِّ، فاتصل الضميرُ بالفعلِ. والثاني: أنها هاءُ السكتِ والاستراحةِ، وإنما ضَمَّها تشبيهاً بهاءِ الضميرِ كقول الآخر:
1005 ـ هم الفاعلونَ الخيرَ والآمرونَه   .........................
على أحدِ التأويلين في البيت أيضاً.

وقرأ ابن أبي إسحاق: " تَعْفُون " بتاءِ الخطابِ، ووجهُها الالتفاتُ من ضميرِ الغَيْبة إلى الخطابِ، وفائدةُ هذا الالتفاتِ التحضيضُ على عَفْوِهِنَّ وأنه مندوبٌ.

و " يَعْفُون " منصوبٌ بأَنْ تقديراً فإنَّه مبنيٌّ لاتصالِه بنونِ الإِناثِ. هذا رأيُ الجمهور. وأمَّا ابن درستويه والسهيلي فإنه عندهما معربٌ. وقد فَرَّق الزمخشري وأبو البقاء بين قولك: " الرجالَ يَعْفُون " و " النساءُ يَعْفُون " وإنْ كان هذا من واضحاتِ النحو: بأنَّ قولك " الرجالُ يَعْفُون ": الواو فيه ضميرُ جماعة الذكورِ وحُذِفت قبلها واوٌ أخرى هي لام الكلمة، فإن الأصل: يَعْفُوُون فاستُثْقلت الضمةُ على الواوِ الأولى فحُذِفَتْ فبقيت ساكنة، وبعدها واو الضمير أيضاً ساكنةً، فحُذِفت الواو الأولى لئلاَّ يتلقى ساكنان، فوزنُه يَفْعُون والنونُ علامة الرفعِ فإنه من الأمثلةِ الخمسةِ.

السابقالتالي
2 3 4