الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } * { لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } * { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ }

قوله تعالى: { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ } قال مقاتل: القحط وقلة النبات والثمار. وقيل: الجوائح في الزرع. { وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ } بالأوصاب والأسقام قاله قتادة. وقيل: إقامة الحدود قاله ٱبن حيان. وقيل: ضيق المعاش وهذا معنى رواه ٱبن جريج. { إِلاَّ فِي كِتَابٍ } يعني في اللوح المحفوظ. { مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ } الضمير في «نَبْرَأَهَا» عائد على النفوس أو الأرض أو المصائب أو الجميع. وقال ٱبن عباس: من قبل أن يخلق المصيبة. وقال سعيد بن جبير: من قبل أن يخلق الأرض والنفس. { إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } أي خَلْق ذلك وحِفْظ جميعه { عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } هيّن. قال الربيع بن صالح: لما أخِذ سعيد ابن جبير رضي الله عنه بَكَيت فقال: ما يبكيك؟ قلت: أبكي لما أرى بك ولما تذهب إليه. قال: فلا تبك فإنه كان في علم الله أن يكون، ألم تسمع قوله تعالى: { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ } الآية. وقال ٱبن عباس: لما خلق الله القلم قال له ٱكتب، فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة. ولقد ترك لهذه الآية جماعةٌ من الفضلاء الدواء في أمراضهم فلم يستعملوه ثقة بربهم وتوكّلاً عليه، وقالوا قد علم الله أيام المرض وأيام الصحة، فلو حرص الخلق على تقليل ذلك أو زيادته ما قدروا قال الله تعالى: { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ }. وقد قيل: إن هذه الآية تتصل بما قبل، وهو أن الله سبحانه هوّن عليهم ما يصيبهم في الجهاد من قتلٍ وجرح. وبيّن أن ما يخلفهم عن الجهاد من المحافظة على الأموال وما يقع فيها من خسران، فالكل مكتوب مقدّر لا مدفع له، وإنما على المرء ٱمتثال الأمر، ثم أدبهم فقال هذا: { لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ } أي حتى لا تحزنوا على ما فاتكم من الرزق وذلك أنهم إذا علموا أن الرزق قد فُرِغ منه لم يأسوا على ما فاتهم منه. وعن ٱبن مسعود أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال: " «لا يجد أحدكم طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه»ثم قرأ { لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ } " أي كي لا تحزنوا على ما فاتكم من الدنيا فإنه لم يقدر لكم ولو قدر لكم لم يفتكم { وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ } أي من الدنيا قاله ٱبن عباس. وقال سعيد بن جبير: من العافية والخصب. وروى عِكرمة عن ٱبن عباس: ليس مِن أحد إلا وهو يحزن ويفرح، ولكن المؤمن يجعل مصيبته صبراً، وغنيمته شكراً.

السابقالتالي
2