الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَٰفِرِينَ }

{ فإِن لَمْ تَفْعَلُوا } أى فإن لم تأتوا بسورة من مثله فيما مضى، وإنما لم يقل فإن لم تأتوا بها، بل قال { فإِن لَمْ تَفْعَلُوا } لأن الإتيان بها فعل من الأفعال، داخل تحت عموم الأفعال، وساغ التعبير به فى الجملة اختصاراً أو إيجازاً، أو جرى مجرى الكناية التى تفيد اختصارا أو إيجازاً من ضمير وإشارة كنايات اللغة والاصطلاح تقول أكرمت زيدا بكذا فى موضع كذا، أو تعد ما شاء الله من خصال. فيقال لك نعم ما فعلت. ولو قيل نعم الإكرام إكرامك زيدا فى موضع كذا فى وقت كذا بكذلك إن فيه طول. وكذا لو قيل نعم الإكرام مشارا به إلى الإكرام المكيف بتلك الكيفيات، لكان فيه طول بالنسبة إلى نعم ما قعلت. ولم يكن نصاً فى معنى قولك نعم ما فعلت فكان التعبير بمادة - ف ع ل - مرغوباً فيه لذلك معدوداً أفصح وأوجز فى الجملة، فكان التعبير به أولى ولو فى مقام لا يكون فيه أوجز كالآية. فإن قولك { فإِن لَمْ تَفْعَلُوا } ذلك أو فإن تفعلوا السورة أى لم تعملوها وقولك فإن لم تأتوا بذلك أو فان لم تأتوا بالسورة متقاربان فى عدم الحروف، وكذا قولك فإن لم تفعلوها أى لم تعملوها. وقولك فإن لم تأتوا بها متقاربان وقولك فإن لم تأتوا، فإن لم تفعلوا متقاربان والفاء استئنافية تفريعية، لأن ما بعدها كالندلة مرتب على ما قبلها من بيان الحق. وما يعرفون به رسالته - صلى الله عليه وسلم - أى إن عجزتم عن الإتيان بسورة بعد اجتهاد، فاتركوا المعارضة، وانقادوا لأمر الله، تسلموا من عقابه، وإن قلت إن للشك أو للظن والله منزه عنهما، وكذا لا يشك مخلوق ولا يظن أن يأتوا بسورة مثله، وقد تحداهم وأفحمهم. فهل لا كان الكلام بإذا التى تساق لكون الشىء سيفعل بدون تلويح إلى الشك، قلت كان الكلام بإن للتهكم بهم، والاستهزاء بإرخاء العنان لهم فيها لا طاقة لهم عليه جزماً وتصويره صورة ما يمكن أن يطبقوه، حتى إنه يشك شاك أن يظن أنهم قد فعلوه، وتصويره بصورة ما يقطع به المتغالب، كما إذا نفى أحد أن تقوى على صرعه وقد وثقت من نفسك أن تصرعه. فتقول فإن صرعتك فماذا تفعل؟ أو إن صرعتك لم أبق عليك شيئاً من خير أو رفق بل أزيحه عنك كله. أو كان الكلام بأن مراعاة لظنهم وطمعهم أن يأتوا بسورة، لأن العجز عن المعارضة قبل التأمل لم يكن محققاً عندهم، بل مشكوكاً فيه، أو منفى جزماً لقولهم لو نشاء لقلنا مثل هذا لا مضمونا فيه. كما قيل وتفعلوا مجزوم بلم، لا بإن، لاتصالها به وتغييرها معناه إلى المضى، بخلاف إن فإنها مفصولة معناها مسلط على لم وما بعدها، فلم وما بعدها فى محل جزم بإن، وقد ردت أن الفعل إلى الاستقبال بعدما صرفته لم إلى المضى، فظهر تسلط معناها عليهما.

السابقالتالي
2 3 4 5