الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَالِقُ ٱلْبَارِىءُ ٱلْمُصَوِّرُ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

{ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَـٰلِقُ ٱلْبَارِىءُ ٱلْمُصَوِّرُ }. القول في ضمير { هو } المفتتح به وفي تكرير الجملة كالقول في التي سبقتها. فإن كان ضمير الغيبة ضميرَ شأن فالجملة بعده خبر عنه. وجملة { الله الخالق } تفيد قصراً بطريق تعريف جزأي الجملة هو الخالق لا شركاؤهم. وهذا إبطال لإِلٰهية ما لا يخلق. قال تعالىوالذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون } النحل 20، وقالأفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذّكرون } النحل 17، وإن كان عائداً على اسم الجلالة المتقدم فاسم الجلالة بعده خبر عنه و { الخالق } صفة. و { الخالق } اسم فاعل من الخلق، وأصل الخلق في اللغة إيجاد شيء على صورة مخصوصه. وقد تقدم عند قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السّلامإني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير } الآية 49 في سورة آل عمران. ويطلق الخلق على معنى أخص من إيجاد الصور وهو إيجاد ما لم يكن موجوداً. كقوله تعالىولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام } ق 38. وهذا هو المعنى الغالب من إطلاق اسم الله تعالى { الخالق }. قال في «الكشاف» «المُقدِّر لما يوجِده». ونقل عنه في بيان مراده بذلك أنه قال «لما كانت إحداثات الله مقدرة بمقادير الحكمة عبر عن إحداثه بالخلق» ا هـ. يشير إلى أن الخالق في صفة الله بمعنى المحدث الأشياء عن عدم، وبهذا يكون الخلق أعم من التصوير. ويكون ذكر { البارىءُ } و { المصور } بعد { الخالق } تنبيهاً على أحوال خاصة في الخلق. قال تعالىولقد خلقناكم ثم صورناكم } الأعراف 11 على أحد التأويلين. وقال الراغب الخلق التقدير المستقيم واستعمل في إيداع الشيء من غير أصل ولا احتذاء ا هـ. وقال أبو بكر ابن العربي في «عارضة الأحوذي» على «سنن الترمذي» { الخالق } المخرج الأشياء من العدم إلى الوجود المقدر لها على صفاتها فخلط بين المعنيين ثم قال فالخالق عام، والبارىء أخص منه، والمصور أخص من الأخص وهذا قريب من كلام صاحب «الكشاف». وقال الغزالي في «المقصد الأسنى» الخالق البارىء المصور قد يظن أن هذه الأسماء مترادفة ولا ينبغي أن يكون كذلك بل كل ما يخرج من العدم إلى الوجود يفتقر إلى تقدير أولاً، وإلى الإيجاد على وفق التقدير ثانياً، وإلى التصوير بعد الإِيجاد ثالثاً، والله خالق من حيث أنه مقدِّر وبارىء من حيث إنه مخترع موجود، ومصور من حيث إنه مرتبٌ صور المخترعات أحسن ترتيب ا هـ. فجعل المعاني متلازمة وجعل الفرق بينها بالاعتبار، ولا أحسبه ينطبق على مواقع استعمال هذه الأسماء. و { البارىء } اسم فاعل من بَرَأَ مهموزاً. قال في «الكشاف» المميز لما يوجده بعضه من بعض بالأشكال المختلفة ا هـ. وهو مغاير لمعنى الخالق بالخصوص. وفي الحديث

السابقالتالي
2 3 4