الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَبِّ إِنِّي لاۤ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَٱفْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ }

وهذا خبر من الله جلّ وعزّ عن قـيـل قوم موسى حين قال له قومه ما قالوا من قولهم:إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } [المائده: 24] أنه قال عند ذلك، وغضب من قـيـلهم لهم داعيا: يا ربّ { إنّى لا أمْلِكُ إلاَّ نَفْسِي وأخِي } يعنـي بذلك: لا أقدر علـى أحد أن أحمله علـى ما أحبّ وأريد من طاعتك واتبـاع أمرك ونهيك، إلا علـى نفسي وعلـى أخي. من قول القائل: ما أملك من الأمر شيئاً إلا كذا وكذا، بـمعنى: لا أقدر علـى شيء غيره. ويعنـي بقوله: { فـافْرُقْ بَـيْنَنا وبـينَ القَوْمِ الفـاسِقِـينَ } افصل بـيننا وبـينهم بقضاء منك تقضيه فـينا وفـيهم فتبعدهم منا، من قول القائل: فَرَقت بـين هذين الشيئين، بـمعنى: فصلت بـينهما من قول الراجز:
يا رَبّ فـافْرُقْ بَـيْنَهُ وَبَـيْنـي   أشَدَّ ما فَرَقْتَ بـينَ اثنَـيْنِ
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنا عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس: { فـافْرُقْ بَـيْنَنا وبـينَ القَوْمِ الفـاسِقِـينَ } يقول: اقض بـينـي وبـينهم. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس: { فـافْرُقْ بَـيْنَنا وبـينَ القَوْمِ الفـاسِقِـينَ } يقول: اقض بـيننا وبـينهم. حدثنـي موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: غضب موسى صلى الله عليه وسلم حين قال له القوم:ٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } [المائدة: 24]، فدعا علـيهم فقال: { رَبّ إنّى لا أمْلِكُ إلاَّ نَفْسِي وأخِي فـافْرُقْ بَـيْنَنا وبـينَ القَوْمِ الفـاسِقِـينَ } وكانت عجْلة من موسى عجلها. حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: ثنا عبـيد بن سلـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: { فـافْرُقْ بَـيْنَنا وبـينَ القَوْمِ الفـاسِقِـينَ } يقول: اقض بـيننا وبـينهم، وافتـح بـيننا وبـينهم، كل هذا من قول الرجل: اقض بـيننا، فقضى الله جلّ ثناؤه بـينه وبـينهم أن سماهم فـاسقـين. وعنى بقوله: { الفـاسِقِـينَ }: الـخارجين عن الإيـمان بـالله وبه، إلـى الكفر بـالله وبه. وقد دللنا علـى أن معنى الفسق: الـخروج من شيء إلـى شيء، فـيـما مضى، بـما أغنى عن إعادته.