قوله تعالى: { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ } أي: بعثنا المرسلين من الأنبياء بالحجج البالغة، { وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ } [وهو] اسم جنس، يريد: الكتب التي جاءت بها المرسلون، والمعيّة هاهنا مثلها في قوله في الأعراف:{ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ } [الأعراف: 157]، غير أن الوجه الذي [استنبطته] هناك مختص بتلك الآية. وقال بعض العلماء: " أرسلنا رسلنا " يريد: الملائكة إلى الأنبياء، وأظن الحامل له على ذلك [قوله]: { وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ } ، والأنبياء منزّل عليهم لا منزّل معهم. والأول هو الصحيح، وهو المتبادر إلى الأفهام. والذي يدل على صحته قوله:{ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ } [البقرة: 213]. { وَٱلْمِيزَانَ } العدل، في قول ابن عباس وقتادة ومقاتل بن حيان، على معنى: أمرناهم به. وقال ابن زيد ومقاتل بن سليمان: هو ما يوزن به. فيكون المعنى: وأنزلنا معهم الأمر بالميزان. ويروى: أن جبريل نزل بالميزان فدفعه إلى نوح، وقال: مُرْ قومك يَزِنُوا به. { وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ } قال ابن عباس: نزل آدم من الجنة ومعه خمسة أشياء من الحديد: السِّنْدَان والكَلْبَتَان والمِيقَعَة والمِطْرَقَة والإبرة. ويروي في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض: أنزل الحديد، والنار، والماء، والملح ". وقال الحسن وجمهور أهل المعاني: { وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ }: خلقناه؛ كقوله في الزمر:{ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ } [الزمر: 6]. { فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } وهو المحاربة به، يشير إلى أنه يُتخذ منه السلاح { وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } في معايشهم ومصالحهم وصنائعهم، فقلّ أن ترى صنعة إلا والحديد قوامها، أو له فيها مدخل بوجه من الوجوه. { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ } علم مشاهدة ورؤية { مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ } أي: وينصر رسله بالآلة التي تُتَّخَذُ من الحديد للمحاربة؛ كالسيوف والرماح، { بِٱلْغَيْبِ } أي: ينصرونه غائباً عنهم، فهو حال من المفعول. قال ابن عباس: ينصرونه ولا يبصرونه. { إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } لا يُغَالَب، فلو شاء أن ينتقم من أعدائه لفعل، لكنه أمر أولياءه بمجاهدة أعدائه لينتقم منهم بأيديهم، ويُنيلهم إذا امتثلوا أمره درجاتٍ مخصوصاتٍ بالمجاهدين.