الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }

قوله تعالى: { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ } أي: بعثنا المرسلين من الأنبياء بالحجج البالغة، { وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ } [وهو] اسم جنس، يريد: الكتب التي جاءت بها المرسلون، والمعيّة هاهنا مثلها في قوله في الأعراف:وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ } [الأعراف: 157]، غير أن الوجه الذي [استنبطته] هناك مختص بتلك الآية.

وقال بعض العلماء: " أرسلنا رسلنا " يريد: الملائكة إلى الأنبياء، وأظن الحامل له على ذلك [قوله]: { وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ } ، والأنبياء منزّل عليهم لا منزّل معهم.

والأول هو الصحيح، وهو المتبادر إلى الأفهام. والذي يدل على صحته قوله:فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ } [البقرة: 213].

{ وَٱلْمِيزَانَ } العدل، في قول ابن عباس وقتادة ومقاتل بن حيان، على معنى: أمرناهم به.

وقال ابن زيد ومقاتل بن سليمان: هو ما يوزن به.

فيكون المعنى: وأنزلنا معهم الأمر بالميزان.

ويروى: أن جبريل نزل بالميزان فدفعه إلى نوح، وقال: مُرْ قومك يَزِنُوا به.

{ وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ } قال ابن عباس: نزل آدم من الجنة ومعه خمسة أشياء من الحديد: السِّنْدَان والكَلْبَتَان والمِيقَعَة والمِطْرَقَة والإبرة.

ويروي في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض: أنزل الحديد، والنار، والماء، والملح ".

وقال الحسن وجمهور أهل المعاني: { وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ }: خلقناه؛ كقوله في الزمر:وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ } [الزمر: 6].

{ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } وهو المحاربة به، يشير إلى أنه يُتخذ منه السلاح { وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } في معايشهم ومصالحهم وصنائعهم، فقلّ أن ترى صنعة إلا والحديد قوامها، أو له فيها مدخل بوجه من الوجوه.

{ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ } علم مشاهدة ورؤية { مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ } أي: وينصر رسله بالآلة التي تُتَّخَذُ من الحديد للمحاربة؛ كالسيوف والرماح، { بِٱلْغَيْبِ } أي: ينصرونه غائباً عنهم، فهو حال من المفعول.

قال ابن عباس: ينصرونه ولا يبصرونه.

{ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } لا يُغَالَب، فلو شاء أن ينتقم من أعدائه لفعل، لكنه أمر أولياءه بمجاهدة أعدائه لينتقم منهم بأيديهم، ويُنيلهم إذا امتثلوا أمره درجاتٍ مخصوصاتٍ بالمجاهدين.