الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }

قوله عزّ وجلّ: { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَـٰتِ } بالآيات والحجج، { وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْمِيزَانَ } يعني العدل. وقال مقاتل بن سليمان: هو ما يوزن به، أي: ووضعنا الميزان كما قال:وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ المِيزان } [الرحمن: 7] { لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِالقِسْطِ } ، ليتعاملوا بينهم بالعدل. { وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ } روي عن ابن عمر يرفعه: إن الله أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض: الحديد والنار والماء والملح. وقال أهل المعاني معنى قوله: { أَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ } ، أنشأنا وأحدثنا، أي: أخرج لهم الحديد من المعادن وعلمهم صنعته بوحيه. وقال قطرب: هذا من النُّزُل كما يقال: أنزل الأمير على فلان نزلاً حسناً فمعنى الآية: أنه جعل ذلك نزلاً لهم. ومثله قوله:وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَـٰمِ ثَمَـٰنِيَةَ أزواجٍ } [الزمر: 6]. { فِيهِ بَأْسٌ شدِيدٌ } ، قوة شديدة يعني: السلاح للحرب. قال مجاهد: فيه جنة وسلاح يعني آلة الدفع وآلة الضرب، { وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ } ، مما ينتفعون به في مصالحهم كالسكين والفأس والإبرة ونحوها، إذ هو آلة لكل صنعة، { وَلِيَعْلَمَ ٱللهُ } ، أي: أرسلنا رسلنا وأنزلنا معهم هذه الأشياء ليتعامل الناس بالحق والعدل وليعلمَ الله وليرى الله، { مَن ينصُره } ، أي دينه { وَرُسُلَهُ بِٱلغَيْبِ } ، أي: قام بنصرة الدين ولم ير الله ولا الآخرة، وإنما يحمد ويثاب من أطاع الله بالغيب { إنَّ ٱللهَ قويٌّ عَزِيزٌ } ، قوي في أمره، عزيز في ملكه.