الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً } * { إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً }

{ لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا الا حميما وغساقا } جملة مبتدأة ومعنى لا يذوقون لا يحسون والا فأصل الذوق وجود الطعم و قال الكاشفى يعنى نمى نمايند الا ان يكون ذلك باعتبار الشراب والذوق فى التعارف وان كان للقليل فهو صالح للكثير لوجود الذوق فى الكثير ايضا والمراد بالبرد ما يروحهم وينفس عنهم حر النار والا فهم يذوقون فى جهنم برد الزمهرير اى بردا ينتفعون به ويميلون اليه فتنكيره للنوعية قال قتادة كنى بالبرد عن الروح لما بالعرب من الحر حتى قالوا برد الله عيشك اى طيبه اعتبارا بما يجد الانسان من اللذة فى الحر من البرد وقال الراغب اصل البرد خلاف الحرارة وبرد كذا اذا ثبت ثبوت البرد واختصاص الثبوت بالبرد كاختصاص الحركة بالحر وبرد الانسان مات وبرده قتله ومنه السيوف البوارد وذلك لما يعرض للميت من عدم الحرارة بفقدان الروح او لما عرض له من السكون وقولهم للنوم برد اما لما يعرض له من البرد فى ظاهر جلده لان النوم يبرد صاحبه ألا ترى ان العطشان اذا نام سكن عطشه او لما يعرض له من السكون وقد علم ان النوم من جنس الموت وقوله تعالىلا يذوقون فيها بردا } اى نوما حتى يستريحوا وبالفارسية تا آسايش يا بند وبرودت كسب كنند انتهى بزيادة والمراد بالشراب ما يسكن عطشهم والا بمعنى لكن والحميم الماء الحار الذى انتهى حره. وآن آبيست كه جون نزديك روى آرند كوشت روى دران رزيد وجون بخورد امعا واحشا باره باره شود. والغساق ما يغسق اى يسيل من جلود اهل النار ويقطر من صديدهم وقيحهم اخبر الله تعالى عن الطاغين بأنهم لا يذوقون فى جهنم شيأ ما من برد وروح ينفس عنهم حر النار ولا من شراب يسكن عطشهم ولكن يذوقون فيها حميما وغساقا فالاستثناء منقطع وقال الزجاج لا يذوقون فيها برد ريح ولا برد ظل ولا برد نوم فجعل البرد برد كل شئ له راحة فيكون قوله ولا شرابا بمعنى ولا ماء باردا تخصيصا بعد التعميم لكماله فى الترويح فيكون مجموع البرد والشراب بمعنى المروح فيكون قوله الا حميما وغساقا مستثنى منقطعا من البرد والشراب وان فسر الغساق بالزمهرير فاستثناؤه من البرد فقط دون الشراب لان الزمهرير ليس بما يشرب كما ان استثناء حميما من الشراب والتأخير لتوافق رؤوس الآى ويؤيد الاول قوله عليه السلام " لو أن دلوا من غساق يهراق فى الدنيا لانتن اهل الدنيا " وان فسر بما يسيل من صديدهم فالاستثناء من الشراب وعن ابن مسعود رضى الله عنه الغساق لون من ألوان العذاب وهو البرد الشديد حتى ان اهل النار اذا ألقوا فيه سألوا الله أن يعذبهم فى النار ألف سنة لما رأوه أهون عليهم من عذاب الزمهرير يوما واحدا وقال شهرين حوشب الغساق واد فى النار فيه ثلاثمائة وثلاثون شعبا فى كل شعب ثلاثمائة وثلاثون بيتا فى كل بيت اربع زوايا فى كل زاوية شجاع كأعظم ما خلق الله من الخلق فى رأس كل شجاع سم والشجاع الحية هذا وقد جوز بعضهم أن يكون لا يذوقون حالا من المنوى فى لابثين لا كلاما مستأنفا اى لابثين فيها احقابا غير ذآئقين فيها شيأ سواهما ثم يبدلون بعد الاحقاب غير الحميم والغساق من جنس آخر من العذاب فيكون حالا متداخلة ويكون قوله احقابا ظرف لابثين المقيد بمضمون لا يذوقون وانتهاء هذا المقيد لا يستلزم انتهاء مطلق اللبث فهو توقيت للعذاب لا للمكث فى النار عن ابن مسعود رضى الله عنه لو علم اهل النار انهم يلبثون فى النار عدد حصى الدنيا لفرحوا ولو علم اهل الجنة انهم يلبثون فى الجنة عدد حضى الدنيا لحزنوا وايضا يجوز ان يكون احقابا ظرفا منصوبا بلا يذوقون على قول من يرى تقديم معمول ما بعد لا عليها لا ظرفا لقوله لابثين فحينئذ لا يكون فيه دلالة على تناهى اللبث والخروج حيث لم يكون احقابا ظرف اللبث وايضا يجوز أن يكون أحقابا ليس بظرف اصلا بل هو حال من الضمير المستكن فى لابثين بمعنى حقبين اى نكدين محرومين من الخير والبركة فى السكون والحركة على أن يكون جمع حقب بفتح الحاء وكسر القاف من حقب الرجل اذا حرم الرزق وحقب العام اذا قل خيره ومطره وقوله لا يذوقون فيها بردا تفسير لكدهم ولا يتوهم حينئذ تناهى مدة لبثهم فيها حتى يحتاج الى التوجيه هذا ما قالوه فى هذا المقام وروى عن عبد الله بن عمر وبن العاص رضى الله عنه انه قال سيأتى على جهنم يوم تصفق ابوابها اى يضرب بعضها بعضا وقد اسندت هذه الرواية الى ابن مسعود رضى الله عنه كما فى العرآئس ويروى عنه انه قال ليأتين على جهنم زمان تخفق ابوابها ليس فيها احد وذلك بعد ما يلبثون فيها احقابا وفى العرآئس ايضا وقال الشعبى جهنم اسرع الدارين عمر انا واسرعهما خرابا وفى الحديث الصحيح ينبت الجرجير فى قعر جهنم اى لانطفاء النار وارتفاع العذاب بمقتضى قوله سبقت رحمتى على غضبى كما فى شرح الفصوص لداود القيصرى والجرجير بالكسر بقلة معروفة كما فى القاموس وقال المولى الجامى رحمه الله فى شرح الفصوص ايضا اعلم ان لاهل النار الخالدين فيها كما يظهر فى كلام الشيخ رضى الله عنه وتابعيه حالات ثلاثا الاولى انهم اذا دخلوها تسلط العذاب على ظواهرهم وبواطنهم وملكهم الجزع والاضطراب فطلبوا أن يخفف عنهم العذاب او أن يقضى عليهم او أن يرجعوا الى الدنيا فلم يجابوا الى طلباتهم والثانية انهم اذا لم يجابوا الى طلباتهم وظنوا انفسهم على العذاب فعند ذلك رفع الله العذاب عن بواطنهم وخبت نار الله الموقدة التى تطلع على الافئدة والثالثة انهم بعد مضى الاحقاب ألفوا العذاب وتعودوا به ولم يتعذبوا بشدته بعد طول مدته ولم يتألموا به وان عظم الى أن آل أمرهم الى أن يتلذذوا به ويستعذبوه حتى لو هب عليهم نسيم من الجنة استكرهوه وتعذبوا به كالجعل وتأذيه برآئحة الورد عافانا الله وجميع المسلمين من ذلك والجعل بضم الجيم وفتح العين دويبة تكون بالروث والجمع جعلان بالكسر وقال المولى رمضان والمولى صالح الدين فى شرح العقائد قال بعض الاسلاميين كل ما اخبر الله فى القرءآن من خلود أهل الدارين حق لكن اذا ذبح كبش الموت بين الجنة والنار ونودى اهلهما بالخلود فيما ايس اهل النار من الخلاص فاعتادوا بالعذاب فلم يتألموا به حتى آل أمرهم الى أن يتلذذوا به ولو هب عليهم نسيم الجنة استكرهوه وتعذبوا به كالجعل يستطيب الروث ويتألم من الورد فيصدق حينئذ قوله تعالى

السابقالتالي
2