الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }

أقسم سبحانه أنه أرسل الرسل المبعوثين منه - وهم الملائكة والأنبياء عليهم التقديس والتسليم - بالحجج والمعجزات الباهرة، وأنزل معهم الوحي والميزان. والأول للهداية إلى العلوم والتعليمات، والثاني للإرشاد إلى الأعمال والمعاملات، ولهذا عقّبه بقوله: ليقومَ الناس بالقسط - أي: في معاملتهم بالعدل.

روي أن جبرائيل (عليه السلام) نزل بالميزان فدفعه إلى نوح وقال: " مُرْ قَوْمَكَ يَزِنُوا به ".

وعن ابن زيد والجبائي. ومقاتل بن سليمان معناه: وأنزلنا معهم من السماء الميزان ذا الكفّتين يوزن به - وفيه سر -.

وعن قتادة ومقاتل بن حيان: معناه أنزلنا صفة الميزان، أي أمرنا الناس بالعدل، كقوله:ٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَٱلْمِيزَانَ } [الشورى:17].

وأنزلنا الحديد - الذي يتخذ منه آلات الحروب للذبّ عن بيضة الإسلام، ولبأس أهل الفساد ومنفعة الناس، إذ ما من منفعة به الناس ديناً ودنياً إلاَّ والحديد آلتها كالكتابة والزراعة وغيرهما.

روى ابن عمر عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: " إن الله - عز وجل - أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض: أنزل الحديد والماء والنار والملح ".

ومعنى الإنزال عند أهل المعنى: الإنشاء منها، لأن الحوادث الكونية إنما تخلق من الله بتوسط الأسباب الفاعلة السماوية، والمواد القابلة الأرضية، فمعنى قوله: أنزلنا الحديد: أنشأناه وأحدثناه، كقوله:وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } [الزمر:6]. وعلى هذا المعنى أيضاً يُحمل أمثال قوله:وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً } [الفرقان:48] فإن السموات ليست حياضاً وغدراناً للمياه ولا اصطبلاً للدواب، وإلى شبه هذا ذهب مقاتل فقال: " معناه: بأمرنا كان الحديد ".

وقال قطرب: معنى " أنزلنا " ها هنا " هيّأنا " من النُزل، وهو ما يُهيّأ للضيف، أي: أنعمنا بالحديد وهيأنا، لكم.

وقيل: " نزل آدم من الجنة ومعه خمسة أشياء من حديد: السندان والكلبتان والميقعة والمطرقة والإبرة ".

وروي: ومعه المرّ والمسحاة.

وقوله: ليعلم الله من ينصره ورسوله -، معطوف على قوله: ليقوم الناس بالقسط - أي: ليعاملوا بالعدل، وليعلم الله نصرة من ينصره ورسلَه باستعمال السيوف والرماح وسائر السلاح. ويحتمل أن يكون معطوفاً على محذوف دلّ عليه ما قبله، فإنه حال متضمن تعليلاً، واللام صلة لمحذوف، أي: أنزله ليعلم الله -.

وقوله: بالغيب - حال من المستكنّ في: " ينصره " ، أي: ينصره ورسله غائباً عنهم بمجرد العلم الواقع بالنظر والاستدلال من غير مشاهدة حسيّة، كما قال ابن عباس: ينصرونه ولا يبصرونه.

ان الله قوي -، على إهلاك من أراد إهلاكه، - عزيز -، منيع لا يفتقر إلى نصرة، وإنما كلفهم الجهاد لينتفعوا به في العاجل، ويستوجبوا الثواب بامتثال الأمر به في الآجل، وليجمعوا بين الرحمة في الدنيا والمغفرة في الآخرة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد