الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ }

{ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } مبتدأ وخبر والمعنى أنه المستحق للعبادة لا غيره. وللنحاة خلاف في أنه هل يضمر للأخير مثل في الوجود أو يصح أن يوجد. { ٱلْحَيّ } الذي يصح أن يعلم ويقدر وكل ما يصح له فهو واجب لا يزول لامتناعه عن القوة والإِمكان. { ٱلْقَيُّومُ } الدائم القيام بتدبير الخلق وحفظه فيعول من قام بالأمر إذا حفظه، وقرىء «القيام» و «القيم». { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ } السنة فتور يتقدم النوم قال ابن الرقاع:
وَسَنانٌ أَقْصَدَهُ النَّعَاسُ فَرَنَّقَت   في عَيْنِهِ سِنَةٌ وَلَيسَ بِنَائِمٍ
والنوم حال تعرض للحيوان من استرخاء أعصاب الدماغ من رطوبات الأبخرة المتصاعدة، بحيث تقف الحواس الظاهرة عن الإحساس رأساً، وتقديم السنة عليه وقياس المبالغة عكسه على ترتيب الوجود، والجملة نفي للتشبيه وتأكيد لكونه حياً قيوماً، فإن من أخذه نعاس أو نوم كان موؤف الحياة قاصراً في الحفظ والتدبير، ولذلك ترك العاطف فيه وفي الجمل التي بعده. { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } تقرير لقيوميتَّه واحتجاج به على تفرده في الألوهية، والمراد بما فيهما داخلاً في حقيقتهما أو خارجاً عنهما متمكناً فيهما فهو أبلغ من قوله: { لَهُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا فِيهِنَّ } ، { مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } بيان لكبرياء شأنه سبحانه وتعالى، وأنه لا أحد يساويه أو يدانيه يستقل بأن يدفع ما يريده شفاعة واستكانة فضلاً عن أن يعاوقه عناداً أو مناصبة أي مخاصمة. { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } ما قبلهم وما بعدهم، أو بالعكس لأنك مستقبل المستقبل ومستدبر الماضي، أو أمور الدنيا وأمور الآخرة، أو عكسه، أو ما يحسونه وما يعقلونه، أو ما يدركونه وما لا يدركونه، والضمير لما في السموات والأرض، لأن فيهما العقلاء، أو لما دل عليه من ذا من الملائكة والأنبياء عليهم الصلاة والسلام. { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْء مّنْ عِلْمِهِ } من معلوماته. { إِلاَّ بِمَا شَاء } أن يعلموه، وعطفه على ما قبله لأن مجموعهما يدل على تفرده بالعلم الذاتي التام الدال على وحدانيته سبحانه وتعالى. { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } تصوير لعظمته وتمثيل مجرد كقوله تعالى:وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } [الأنعام: 91]وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَٱلسَّمَـٰوٰتُ مَطْوِيَّـٰتٌ بِيَمِينِهِ } [الزمر: 67] ولا كرسي في الحقيقة، ولا قاعد. وقيل كرسيه مجاز عن علمه أو ملكه، مأخوذ من كرسي العالم والملك. وقيل جسم بين يدي العرش ولذلك سمي كرسياً محيط بالسموات السبع، لقوله عليه الصلاة والسلام " ما السموات السبع والأرضون السبع من الكرسي، إلا كحلقة في فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة " ولعله الفلك المشهور بفلك البروج، وهو في الأصل اسم لما يقعد عليه ولا يفضل عن مقعد القاعد، وكأنه منسوب إلى الكرسي وهو الملبد.