الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ }

ولما كانت الشواهد القطعية والدلائل العقلية والنقلية مطابقة متوافقة على أنَّ آية الكرسي سيدة آيات القرآن لما فيها من معنى السيادة، المأخوذ في مفهومها المتبوعية، الثابتة لواحد من نوعه، والتابعية لغيره من أفراد ذلك النوع أو الفضيلة والشرف له في المعنى المشترك بينه وبين أمور واقعة تحت معنى نوعي أو جنسي، فسيد الإنسان ما يكون في باب الإنسانية المعتبرة فيها معرفة الله وعبوديته كاملاً غاية الكمال كنبينا (صلّى الله عليه وآله) وسيد الأنيباء من يكون له الأكملية في معنى النبوة كهو (عليه السلام) وسيد الكواكب ما يكون نوره أقوى وأشد من أنوار الكواكب، إذ روح الكواكب وملاكها هو النورية الحسية والإشراق، والشمس أشد الكواكب نورية وإشراقاً فتكون هي حَريَّة بهذا الاسم فيما بينها.

وهكذا الحال في كل معنى مشترك يكون له فرد كامل شديد الكمال، سواء كان إطلاق السيادة في الجميع على سبيل الحقيقة - وذلك إذا لم يعتبر فيها العقل والشعور - أو على سبيل التشبيه في غير ذوي العقول، والتحقيق فيهم لاعتبار ذلك فيها.

وإنما تحققت السيادة في آية الكرسي على سائر الآيات لما فيها من تحقق الأفضلية في المعنى، الذي هو روح القرآن ولبابه الأصفى، وسره ومقصده الأقصى، وهو دعوة العباد الى الجبار، وسياقتهم إلى العزيز الغفار، وهذا المطلب كأنه أمر مشترك جنسي، أو نوعي، منحصر في ستة أنواع، أو أصناف بعضها كالدعائم والأصول المهمة، وبعضها كالروادف والتوابع المعينة المتمة، أما الدعائم الأصولية فبعضها معرفة الحق الأول، المسلوك إليه، المصمود به لما فيه من الصفات العظمى، والأسماء الحسنى، والأفعال القصوى، وبعضها معرفة الصراط المستقيم، الذي يجب ملازمته في السلوك إليه، وبعضها معرفة الحال عند الوصول إليه فهذه ثلاثة أقسام.

وأما الروادف المعينة:

فأحدها: معرفة أحوال المحبين للدعوة ولطائف صنع الله فيهم.

وثانيها: حكايات الجاحدين وكشف فضائحهم، وجهلهم بالمجادلة والمحاجة على الحق.

وثالثها: معرفة منازل الطريق وكيفية أخذ الزاد والاستعداد.

والمقصود في الأول، إما التشويق والترغيب، أو الاعتبار والترهيب، وفي الثاني إما الإيضاح، والتثبيت، والتقرير - وذلك في جنبة الحق - أو الإفضاح، والتحذير، والتنفير - وذلك في جنبة الباطل - وفي الثالث: سرعة الوصول إلى أصل الأصول، ورفع العوائق عن التوجه والسير إلى خلاق الخلائق ومحقق الحقائق.

ثم القسم الأول من الأقسام الثلاثة الأصولية يتوزع على معارف ثلاث: معرفة الذات، ومعرفة الصفات، ومعرفة الأفعال.

أما الأولى: فهي الكبريت الأحمر الذي لم يظفر بقدر يسير منها إلاّ ملوك الآخرة وسلاطينها، الذين هم الأنبياء والأولياء صلوات الله عليهم أجمعين، لكونها أضيق المعارف مجالاً، وأعسرها مقالاً، وأعصاها على الفكر، وأبعدها عن قبول الذكر، ولا يطلع عليها إلاّ واحد بعد واحد من أكابر الأنبياء والأولياء (عليهم السلام)، وذلك بعد فنائهم عن ذواتهم، واندكاك جبل إنياتهم ولذلك لا يشتمل القرآن منها إلاّ على تقديسات وتنزيهات، وسلوب نقائص وكثرات.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد