الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ }

ونقف بالتأمل الآن عند قوله الحق: { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [البقرة: 255]. إن كلمة " الله " هي عَلَمٌ على واجب الوجود. وعندما نقول: " الله " فإن الذهن ينصرف إلى الذات الواجبة الوجود. ما معنى " واجبة الوجود "؟ إن الوجود قسمان: قسم واجب، وقسم ممكن. والقسم الواجب هو الضروري الذي يجب أن يكون موجوداً، والحق سبحانه وتعالى حين أعلمنا باسمه " الله " أعطانا فكرة على أن كلمة " الله " هذه يتحدى بها - سبحانه - أن يُسمى بها سواه. ولو كنا جميعاً مؤمنين لكان احترامنا لهذا التحدي نابعاً من الإيمان. ولكنْ هناك كافرون بالله ومتمردون وملحدون يقولون: " الله خرافة " ، ومع ذلك هل يجرؤ واحد من هؤلاء أن يسمي نفسه " الله "؟ لم يفعل أحد هذا لأن الله تحدى بذلك، فلم يجرؤ واحد أن يدخل في هذه التجربة. وعدم جرأة الكفار والملاحدة في أن يدخلوا في هذه التجربة دليل على أن كفرهم غير وطيد في نفوسهم، فلو كان كفرهم صحيحاً لقالوا: سنسمي ونرى ما يحدث، ولكن هذا لم يحدث. إذن " الله " علم واجب الوجود المتصف بكل صفات الكمال. وبعد ذلك جاء بالقضية الأساسية وهي قوله تعالى: { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [البقرة: 255] وهنا نجد النفي ونجد الإثبات، النفي في " لا إله " ، والإثبات في " إلا هو ". والنفي تخلية والإثبات تحلية. خلى سبحانه نفسه من وجود الشريك له ثم أثبت لنا وحدانيته. و " لا إله إلا هو " أي لا معبود بحق إلا الله. ونعرف أن بعضاً من البشر في فترات الغفلة قد عبدوا أصناماً وعبدوا الكواكب. ولكن هل كانت آلهة بحق أم بباطل؟ لقد كانت آلهة بباطل. ودليل صدق هذه القضية التي هي " لا إله إلا الله " ، أي لا معبود إلا الله أن أحداً من تلك الآلهة لم يعترض على صدق هذه القضية. إذن فهذا الكلام هو حق وصدق. وإن ادعى أحد غير ذلك، نقول له: إن الله قد أخبرنا أنه لا معبود بحق غيره لأنه هو الذي خلق وهو الذي رزق، وقال: أنا الذي خلقت. إن كان هذا الكلام صحيحاً فهو صادق فيه، فلا نعبد إلا هو. وإن كان هذا الكلام غير صحيح، وأن أحداً غيره هو الذي خلق هذا الكون فأين هذا الأحد الذي خلق، ثم ترك من لم يخلق ليأخذ الكون منه ويقول: " أنا الذي خلق الكون "؟ إنه أمر من اثنين، الأمر الأول: هو أنه ليس هناك إله غيره.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد