قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً }. حكى الطبري أن " يستحيي " بمعنى " يخشى " ، كما وقع " يخشى " بمعنى " يستحيي " في قوله:{ وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ } [الأحزاب: 37]. أي وتستحيي من الناس. و " تستحيي " فعل عينه ولامه حرفا علة صحت عينه واعتلت لامه، فتقول في الاسم: " هو مُسْتَحِي " بحذف لام الفعل في الرفع والخفض كقاض، وإثبات عينه. وتثبت اللام مع الغين في النصب، وتقول في التثنية: " رأيتهما مسْتَحْيِيَيْن " بثلاث ياءات فإن جمعت قلت: " هَؤُلاَءِ مُسْتَحْيُونَ " ، بياء واحدة في الرفع. وفي النصب والخفض، " مُسْتَحْيينَ " بياءين. فالأولى عين الفعل، والثانية ياء الجمع، ولام الفعل محذوفة في الجمع المنصوب والمرفوع والمخفوض لأن العلة لحقتها، بأن استثقلت عليها الحركة وهي كسرة لأن أصلها " مُسْتَحْيُونَ ". فلما سكنت حذفت لسكونها وسكون الحاء قبلها. وبنو تميم يحذفون لام الفعل، ويعلون العين في الجمع، فيقولون: / هُمْ مُسْتَحُونَ ". ومن العرب من يحذف إحدى الياءين في الفعل / فيقول: " يَسْتَحِي " ، فيلقي حركة الياء الأولى على الحاء، فيكسرها ويحذف الياء لالتقاء الساكنين. وقوله: { أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً }. معناه: إن الله جَلَّ ذكره لما ضرب المثل بالصيب وبالذي استوقد ناراً، قال المنافقون: " الله أعظم من أن يضرب مثلاً بهذا " ، فأنزل الله: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً } الآية. قال الربيع: " هو مثل ضربه الله للدنيا، وذلك أن البعوضة تَحْيَا ما جاعت، فإذا شبعت ماتت، فكذلك الكافر إذا امتلأ من الدنيا أخذه الله، كما قال:{ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً } [الأنعام: 44]. وقال قتادة: " معناه إن الله لا يستحيي أن يذكر شيئاً من الحق قَلَّ أوْ كَثُرَ ". وقيل: إن هذا المثل مردود على " ما " في غير هذه السورة، وذلك أن الله جَلَّ ذكره لما ضرب المثل بالعنكبوت والذباب تكلموا وقالوا: ماذا أراد الله بهذا مثلاً، كما حكى الله تعالى عنهم فأنزل الله { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً } الآية. واختار الطبري أن يكون مردوداً على إنكارهم للأمثال في هذه السورة دون غيرها. وقوله: { مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً }. " ما " و " ذا " اسم واحد للاستفهام في موضع نصب بـ " أراد " تقديره: أي شيء أراد الله. { مَثَلاً }: نصب على التفسير. ويجوز أن [تكون " ما " ] استفهاماً في موضع رفع بالابتداء.