الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ }

أي اذكر حين بوأنا، تقول العرب بوأت له منزلاً، وبوأته منزلاً، وبوأته في منزل بمعنى واحد كلها بمعنى هيأته له، ومكنت له فيه، وأنزلته فيه، فتبوأه أي نزله، وتبوأت له منزلاً أيضاً هيأته له، وأنزلته فيه فبوأه المتعدي بنفسه، كقوله تعالىوَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفَاً } العنكبوت 58 الآية وقولهوَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً } النحل 41 الآية ومنه قول عمرو بن معد يكرب الزبيدي
كم من أخ لي ماجد بوأته بيدي لحدا   
أي هيأته له، وأنزلته فيه، وبوأت له كقوله هنا { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ } الآية، وبوأته فيه كقول الشاعر
وبوئت في صميم معشرها وتم في قومها مبوؤها   
أي نزلت من الكرم في صميم النسب، وتبوأت له منزلاً كقوله تعالىوَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً } يونس 87 وتبوأه كقولهوَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ } الزمر 74 الآية. وقوله تعالىوَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ } يوسف 56 وقوله تعالىوَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ } الحشر 9 الآية. وأصل التبوء. من المباءة وهي منزل القوم في كل موضع، فقوله { بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ } أي هيأناه له، وعرفناه إياه، ليبنيه بأمرنا على قواعده الأصلية المندرسة، حين أمرنا ببنائه، كما يهيأ المكان لمن يريد النزول فيه. والمفسرون يقولون بوأه له، وأراه إياه بسبب ريح تسمى الخجوج كنست ما فوق الأساس، حتى ظهر الأساس الأول الذي كان مندرساً، فبناه إبراهيم وإسماعيل عليه. وقيل أرسل له مزنة فاستقرت فوقه، فكان ظلها على قدر مساحة البيت، فحفرا عن الأساس، فظهر لهما فبنياه عليه. وهم يقولون أيضاً إنه كان مندرساً من زمن طوفان نوح، وأن محله كان مربض غنم لرجل من جرهم، والله تعالى أعلم. وغاية ما دل عليه القرآن أن الله بوأ مكانه لإبراهيم، فهيأه له، وعرفه إياه ليبنيه في محله، وذهبت جماعة من أهل العلم إلى أن أول من بناه إبراهيم ولم يبن قبله. وظاهر قوله حين ترك إسماعيل، وهاجر في مكةرَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ } إبراهيم 37 يدل على أنه كان مبنياً، واندرس، كما يدل عليه قوله هنا { مَكَانَ ٱلْبَيْتِ } لأنه يدل على أن له مكاناً سابقاً، كان معروفاً. والله أعلم. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ } الآية متعلق بمحذوف، وقد دلت على تقدير المحذوف المذكور آية البقرة وهي قوله تعالىوَعَهِدْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ } البقرة 125 الآية فدلت آية البقرة المذكورة على أن معنى آية الحج هذه { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ } وعهدنا إليه أي أوصيناه، أن لا تشرك بي شيئاً وطهر بيتي للطائفين، وزادت آية البقرة أن إسماعيل مأمور بذلك أيضاً مع أبيه إبراهيم، وإذا عرفت أن المعنى وعهدنا إلى إبراهيم ألا تشرك بي شيئاً، وطهر بيتي.

السابقالتالي
2 3