الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ }

قوله تعالى: { فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً } مصدر بمعنى مُزْدَلفاً، أي قريباً قاله مجاهد. الحسن عِياناً. وأكثر المفسرين على أن المعنى: فلما رأوه يعني العذاب، وهو عذاب الآخرة. وقال مجاهد: يعني عذاب بَدْر. وقيل: أي رأوا ما وُعِدوا من الحشر قريباً منهم. ودلّ عليه { تُحْشَرُونَ }. وقال ابن عباس: لما رأوا عملهم السّيّىء قريباً. { سِيئَتْ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي فُعل بها السوء. وقال الزجاج: تُبُيِّن فيها السوء أي ساءهم ذلك العذاب وظهر على وجوههم سِمَةٌ تدلّ على كفرهم كقوله تعالى:يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [آل عمران:106]. وقرأ نافع وابن مُحَيْصِن وابن عامر والكسائيّ «سئت» بإشمام الضم. وكسر الباقون بغير إشمام طلباً للخفّة. ومن ضمّ لاحظ الأصل. { وَقِيلَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ } قال الفرّاء: «تَدّعُونَ» تفتعلون من الدعاء وهو قول أكثر العلماء أي تتمنْون وتسألون. وقال ٱبن عباس: تَكْذِبون وتأويله: هذا الذي كنتم من أجله تدّعون الأباطيل والأحاديث قاله الزجاج. وقراءة العامة «تدّعون» بالتشديد، وتأويله ما ذكرناه. وقرأ قتادة وٱبن أبي إسحاق والضحاك ويعقوب «تَدْعون» مخففة. قال قتادة: هو قولهمرَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا } [ص:16] وقال الضحاك: هو قولهمٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [الأنفال:32] الآية. وقال أبو العباس: «تَدعُونَ» تستعجلون يقال: دعوت بكذا إذا طلبته وٱدّعيت ٱفتعلت منه. النحاس: «تَدّعُونَ وتَدْعُون» بمعنًى واحد كما يقال: قدر وٱقتدر، وعَدَى وٱعَتَدى إلا أن في «افتعل» معنى شيء بعد شيء، و «فَعَل» يقع على القليل والكثير.