الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ رِضْوَانِ ٱللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }

{ ثم قفينا على آثارهم برسلنا } اى ثم أرسلنا بعدهم رسلنا والضمير لنوح وابرهيم ومن أرسلا اليهم من الامم يعنى بعد ازنوح وهود وصالح را وبعد از ابراهيم واسماعيل واسحق ويعقوب ويوسف را، او من عاصرهما من الرسل ولا يعود الى الذرية فان الرسل المقفى بهم من الذرية يقال قفا أثره اتبعه وقفى على أثره بفلان اى اتبعه اياه وجاء به بعده والآثار جمع اثر بالكسر تقول خرجت على اثره اى عقبه فالمعنى اتبعنا من بعدهم واحدا بعد واحد من الرسل قال الحريرى فى درة الغواص يقال شفعت الرسول بآخر اى جعلتهما اثنين فاذا بعثت بالثالث فوجه الكلام أن يقال عززت بثالث اى قويت كما تعالىفعززنا بثالث } فان واترت الرسل فالاحسن أن يقال قفيت بالرسل كما قال تعالى { ثم قفينا على آثارهم برسلنا } { وقفينا بعيسى ابن مريم } اى أرسلنا رسولا بعد رسول حتى انتهى الى عيسى بن مريم فأتينا به بعدهم يعنى وازبى در آورديم اين رسل رواتمام كرديم انبياء بنى اسرآئيل را بعيسى ابن مري، فأول انبياء بنى اسرآئيل موسى وآخرهم عيسى { وآتيناه الانجيل } دفعة واحدة { وجعلنا فى قلوب } المؤمنين { الذين اتبعوه } اى عيسى فى دينه كالحواريين واتباعهم { رأفة } وهى اللين { ورحمة } وهى الشفقة اى وقفينا رأفة اى اشد رقة على من كان يتسبب الى الاتصال بهم ورحمة اى رقة وعطفا على من لم يكن له سبب فى الصلة بهم كما كان الصحابة رضى الله عنهم رحماء بينهم حتى كانوا اذلة على المؤمنين مع ان قولبهم فى غاية الصلابة فهم اعزة على الكافرين قيل امروا فى الانجيل بالصفح والاعراض عن مكافأة الناس على الاذى
بدى را بدى سهل باشد حزا اكر مردى احسن الى من اسا   
وقيل لهم من لطم خدك الأيمن فوله خدك الأيسر ومن سلب ردآءك فأعطه قميصك ولم يكن لهم قصاص على جناية فى نفس او طرف فاتبعوا هذه الا وامر واطاعوا الله وكانوا متوادين ومتراحمين ووصفوا بالرحمة خلاف اليهود الذين وصفوا بالقسوة { ورهبانية } منصوب اما بفعل مضمر يفسره الظاهر اى وابتدعوا اى اتباع عيسى رهبانية { ابتدعوها } اى حملوا انفسهم على العمل بها واما بالعطف على ما قبلها وابتدعوها صفة لها اى وجعلنا فى قلوبهم رأفة ورحمة ورهبانية مبتدعة من عندهم اى وقفيناهم للتراحم بينهم ولابتداع الرهبانية واستحداثها قال فى فتح الرحمن المعتزلة تعرب رهبانية على انها نصب باضمار فعل يفسره ابتدعوها وليست بمعطوفة على رأفة ورحمة ويذهبون فى ذلك الى ان الانسان يخلق افعاله فيعربون الآية على مذهبهم انتهى والرهبانية المبالغة فى العبادة بمواصلة الصوم ولبس المسموح وترك اكل اللحم والامتناع عن المطعم والمشرب والملبس والنكاح والتعبد فى الغير ان ومعناها العفلة المنسوبة الى الرهبان بالفتح وهو الخائف فان الرهبة مخالفة مع تحزن واضطرب كما فى المفردات فعلان من رهب كخشيان من خشى وقرىء بضم الرآء كانها نسبة الى الرهبان جمع راهب كراكب وركبان ولعل التردد لاحتمال كون النسبة الى المفتوح والضم من التغيير النسب يعنى ان الرهبان لما كان اسما لطائفة مخصوصة صار بمنزلة العلم وان كان جمعا فى نفسه فالتحق بانصار واعراب وفرآئض فقيل رهبانى كما قيل انصارى واعرابى وفرآئض بدون رد الجمع الى واحدة فى النسبة.

السابقالتالي
2 3 4 5