الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

فإن أظهرتم الصدقة فنعم ما تفعلون لتكونوا قدوة لغيركم، ولتردوا الضغن عن المجتمع. وإن أخفيتم الصدقة وأعطيتموها الفقراء فإن الله يكفر عنكم بذلك من سيئاتكم، والله خبير بالنية وراء إعلان الصدقة ووراء إخفاء الصدقة. والتذييل في هذه الآية الكريمة يخدم قضية إبداء الصدقة وقضية إخفاء الصدقة، فالحق خبير بنية من أبدى الصدقة، فإن كان غنياً فعليه أن يبدي الصدقة حتى يحمي عرضه من وقوع الناس فيه لأن الناس حين يعلمون بالغني فلا بد أن يعلموا بإنفاق الغني، وإلا فقد يحسب الناس على الغني عطاء الله له، ولا يحسبون له النفقة في سبيل الله. لماذا؟ لأن الله يريد أن يحمي أعراض الناس من الناس. أما إن كان الإنسان غير ظاهر الغنى فمن المستحسن أن يخفي الصدقة. وإن أظهرت الصدقة كما قلت ليتأسى الناس بك، وليس في ذهنك الرياء فهذا أيضاً مطلوب. والحق يقول: { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } [البقرة: 271] أي أن الله يجازي على قدر نية العبد في الإبداء أو في الإخفاء. إنه باستقراء الآيات التي تعرضت للإنفاق نجده سبحانه يسد أمام النفس البشرية كل منافذة الشُح، ويقطع عنها كل سبيل تحدثه به إذا ما أرادت أن تبخل بما أعطاها الله، والخالق الذي وهب للمخلوق ما وهبه يطلب منه الإنفاق، وإذا نظرنا إلى الأمر في عرف المنطق وجدناه أمراً طبيعياً لأن الله لا يسأل خلقه النفقة مما خَلَقُوا ولكنه يسألهم النفقة مما خلقه لهم. إن الإنسان في هذا الكون حين يُطلب إيمانياً منه أن ينفق فلازم ذلك أن يكون عنده ما ينفقه، ولا يمكن أن يكون عنده ما ينفقه إلا إذا كان مالكاً لشيء زاد على حاجته وحاجة من يعوله، وذلك لا يتأتى إلا بحصيلة العمل. إذن فأمر الله للمؤمن بالنفقة يقتضي أن يأمره أولاً بأن يعمل على قدر طاقته لا على قدر حاجته، فلو عمل كل إنسان من القادرين على قدر حاجته، فكيف توجد مقومات الحياة لمن لا يقدر على العمل؟. إذن فالحق يريد منا أن نعمل على قدر طاقتنا في العمل لنعول أنفسنا ولنعول من في ولايتنا، فإذا ما زاد شيء على ذلك وهبناه لمن لا يقدر على العمل. ولقائل أن يقول: إذا كان الله قد أراد أن يحنن قلوب المنفقين على العاجزين فلماذا لم يجعل العاجزين قادرين على أن يعملوا هم أيضاً؟ نقول لصاحب هذا القول: إن الحق حين يخلق.. يخلق كوناً متكاملاً منسجماً دانت له الأسباب، فربما أطغاه أن الأسباب تخضع له، فقد يظن أنه أصبح خالقاً لكل شيء، فحين تستجيب له الأرض إن حرث وزرع، وحين يستجيب الماء له إن أدلى دلوه، وحين تستجيب له كل الأسباب، ربما ظن نفسه أصيلاً في الكون.

السابقالتالي
2 3 4