الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }

{ لِلْفُقَرَآءِ } متعلق بمحذوف ينساق إليه الكلام. أي: اجعلوا ما تنفقونه للفقراء. أو صدقاتكم للفقراء. أي المحتاجين إلى النفقة { ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي: حبسوا أنفسهم في طاعته تعالى من جهاد أو غيره { لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً } أي: ذهاباً { فِي ٱلأَرْضِ } لاكتساب أو تجارةٍ { يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ } بحالهم { أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ } أي: من أجل تعففهم عن السؤال. والتلويح به قناعة بما أعطاهم مولهم، ورضا عنه، وشرف نفس. { تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ } بما يظهر لذوي الألباب من صفاتهم كما قال تعالى:سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ } [الفتح: 29]. وقال:وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ } [محمد: 30]. وفي الحديث الذي في السنن: " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله " ، ثم قرأ:إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } [الحجر: 75] قاله ابن كثير.

قال الغزاليّ: ينبغي أن يطلب بالفحص عن أهل الدين في كل محلة، ويستكشف عن بواطن أحوال أهل الخير والتجمل، ممن يكون مستتراً مخفياً حاجته لا يكثر البث والشكوى. أو يكون من أهل المروءة ممن ذهبت نعمته وبقيت عادته. فهو يتعيش في جلباب التجمل. فثوابُ صرف المعروف إليهم أضعاف ما يصرف إلى المجاهرين بالسؤال. كما ينبغي أن يطلب بصدقته من تزكو به الصدقة كأن يكون أهل علم. فإن ذلك إعانة له على العلم. والعلم أشرف العبادات مهما صحّت فيه النية. وكان ابن المبارك يخصص بمعروفه أهل العلم. فقيل له: لو عممت! فقال: إني لا أعرف بعد مقام النبوة أفضل من مقام العلماء. فإذا اشتغل قلب أحدهم بحاجته لم يتفرغ للعلم ولم يقبل على التعلم. فتفريغهم للعلم أفضل.

لطيفة

السيما مقصور كالسيمة، والسيماء والسيمياء، ممدودين بكسرهن، والسومة بالضم: العلامة. قال أبو بكر بن دريد: قولهم عليه: سيما حسنة، معناه علامة. وهي مأخوذة من وسمت أسِمُ. والأصل في سيما وسمى. فحولت الواو من موضع الفاء فوضعت في موضع العين، كما قالوا: ما أطيبه وأيطبه، فصار سومى. وجعلت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، قال السمين: فوزن سيما عفلا. وإذا مدت فالهمزة فيها منقلبة عن حرف زائد للإلحاق. إما واو أو ياء. فهي كعلباء ملحقة بسرداح. فالهمزة للإلحاق لا للتأنيث وهي منصرفة لذلك. انتهى.

{ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً } مصدر في موضع الحال. أي: ملحفين. يقال: ألحف عليه الخ قال الزمخشري: الإلحاف: الإلحاح. وهو اللزوم. وأن لا يفارق إلا بشيء يعطاه. من قولهم: لحفني من فضل لحافه. أي: أعطاني من فضل ما عنده. قيل: معنى الآية: إن سألوا سألوا بتلطف ولم يلحوا. فيكون النفي متوجهاً إلى القيد وحده والصحيح أنه نفي للسؤال والإلحاف جميعاً. فمرجع النفي إلى القيد ومقيده كقوله:وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } [غافر: 18] وفيه تنبيه على سوء طريقة من يسأل الناس إلحافاً.

السابقالتالي
2 3