الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ }

اعلم أنه تعالى لما حكى عن موسى عليه السلام أنه ما زاد في دفع مكر فرعون وشره على الاستعاذة بالله، بيّن أنه تعالى قيض إنساناً أجنبياً غير موسى حتى ذب عنه على أحسن الوجوه وبالغ في تسكين تلك الفتنة واجتهد في إزالة ذلك الشر. يقول مصنف هذا الكتاب رحمه الله، ولقد جربت في أحوال نفسي أنه كلما قصدني شرير بشر ولم أتعرض له وأكتفي بتفويض ذلك الأمر إلى الله، فإنه سبحانه يقيض أقواماً لا أعرفهم ألبتة، يبالغون في دفع ذلك الشر، وفيه مسائل: المسألة الأولى: اختلفوا في ذلك الرجل الذي كان من آل فرعون، فقيل إنه كان ابن عم له، وكان جارياً مجرى ولي العهد ومجرى صاحب الشرطة، وقيل كان قبطياً من آل فرعون وما كان من أقاربه، وقيل إنه كان من بني إسرائيل، والقول الأول أقرب لأن لفظ الآل يقع على القرابة والعشيرة قال تعالى:إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَـٰهُم بِسَحَرٍ } [القمر: 34] وعن رسول الله أنه قال: " الصديقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل ياسين، ومؤمن آل فرعون الذي قال: { أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبّىَ ٱللَّهُ } والثالث علي ابن أبي طالب وهو أفضلهم " وعن جعفر بن محمد أنه قال: كان أبو بكر خيراً من مؤمن آل فرعون لأنه كان يكتم إيمانه وقال أبو بكر جهاراً { أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبّىَ ٱللَّهُ } فكان ذلك سراً وهذا كان جهاراً. المسألة الثانية: لفظ من في قوله { مّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ } يجوز أن يكون متعلقاً بقوله { مُؤْمِنٍ } أي كان ذلك المؤمن شخصاً من آل فرعون ويجوز أن يكون متعلقاً بقوله { يَكْتُمُ إِيمَـٰنَهُ } والتقدير رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون، وقيل إن هذا الاحتمال غير جائز لأنه يقال كتمت من فلان كذا، إنما يقال كتمته كذا قال تعالى:وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } [النساء: 42]. المسألة الثالثة: رجل مؤمن الأكثرون قرأوا بضم الجيم وقرىء رجل بكسر الجيم كما يقال عضد في عضد. المسألة الرابعة: قوله تعالى: { أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبّىَ ٱللَّهُ } استفهام على سبيل الإنكار، وقد ذكر في هذا الكلام ما يدل على حسن ذلك الاستنكار، وذلك لأنه ما زاد على أن قال: { رَبّىَ ٱللَّهُ } وجاء بالبينات وذلك لا يوجب القتل ألبتة وقوله { وَقَدْ جَاءكُمْ بِٱلْبَيّنَـٰتِ مِن رَّبّكُمْ } يحتمل وجهين الأول: أن قوله { رَبّىَ ٱللَّهُ } إشارة إلى التوحيد، وقوله { وَقَدْ جَاءكُمْ بِٱلْبَيّنَـٰتِ } إشارة إلى الدلائل الدالة على التوحيد، وهو قوله في سورة طه [50]رَبُّنَا ٱلَّذِى أَعْطَىٰ كُلَّ شَىء خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } وقوله في سورة الشعراء [24]رَبّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ }

السابقالتالي
2 3