الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ }

العامة على قراءة " لا يَتَّخِذْ " نَهْياً، وقرأ الضَّبِّيُّ " لا يَتَّخِذُ " برفع الذال - نفياً - بمعنى لا ينبغي، أو هو خبر بمعنى النهي نحولاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ } [البقرة: 233] ووَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ } [البقرة: 282] - فيمن رفع الراء.

قال أبو البقاء وغيره: " وأجاز الكسائيُّ فيه [رفع الراء] على الخبر، والمعنى: لا ينبغي ".

وهذا موافق لما قاله الفرَّاء، فإنه قال: " ولو رَفَع على الخبر - كقراءة مَنْ قرأ: { لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ } جاز ".

قال أبو إسحاق: ويكون المعنى - على الرفع - أنه مَنْ كان مؤمناً، فلا ينبغي أن يتخذ الكافرَ ولياً؛ [لأن ولي الكافر راضٍ بكُفْره، فهو كافر].

كأنهما لم يَطَّلِعَا على قراءة الضبي، أو لم تثبت عندهما.

و " يتخذ " يجوز أن يكون متعدياً لواحد، فيكون " أوْلِيَاءَ " حالاً، وأن يكون متعدياً لاثنين، وأولياء هو الثاني.

قوله: { مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } فيه وجهان:

أظهرهما: أن " مِن " لابتداء الغايةِ، وهي متعلقة بفعل الاتخاذ.

قال علي بن عيسى: " أي: لا تجعلوا ابتداءَ الولايةِ من مكانٍ دون مكان المؤمنين ".

وقد تقدم تحقيقُ هذا، عند قوله تعالى:وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ } في البقرة [الآية 23].

والثاني - أجاز أبو البقاء - أن يكون في موضع نصب، صفة لـِ " أوْلِيَاءَ " فعلى هذا يتعلق بمحذوف.

قوله: { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ } أدغم الكسائيُّ اللام في الذال هنا، وفي مواضع أخَر تقدم التنبيه عليها في البقرة.

قوله: { مِنَ ٱللَّهِ } الظاهر أنه في محل نصب على الحال من " شَيءٍ "؛ لأنه لو تأخر لكان صفةً له.

" فِي شَيءٍ " هو خبر " لَيْسَ "؛ لأن به تستقل فائدةُ الإسنادِ، والتقدير: فليس في شيء كائن من الله، ولا بد من حذف مضافٍ، أي: فليس من ولاية الله.

وقيل: من دين الله، ونظَّر بعضُهم الآيةَ الكريمةَ ببيت النابغةِ: [الوافر]
1392- إذَا حَاوَلْتَ مِنْ أسَدٍ فُجُوراً   فَإنِّي لَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِني
قال ابو حيّان: " والتنظير ليس بجيِّدٍ؛ لأن " منك " و " مني " خبر " لَيْسَ " وتستقل به الفائدةُ، وفي الآية الخبر قوله: " فِي شَيءٍ " فليس البيتُ كالآيةِ ".

وقد نحا ابن عطية هذا المنحى المذكورَ عن بعضهم، فقال: فليس من الله في شيء مَرْضِيِّ على الكمالِ والصوابِ، وهذا كما " قال النبي صلى الله عليه وسلم " مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا " وفي الكلامِ حذفُ مضافٍ، تقديره: فليس من التقرب إلى الله والثواب، وقوله: " فِي شَيءٍ " هو في موضع نصبٍ على الحالِ من الضمير الذي في قوله: { فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ }.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7