الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ٱبْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً }

{ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ } أي عن ذي القربـى والمسكين وابن السبيل على ما هو الظاهر، وقيل عن السائلين مطلقاً. والإعراض في الأصل إظهار العرض أي الناحية فمعنى أعرض عنه ولى مبدياً عرضه، والمراد به هنا حقيقته على ما قيل بناءً على ما روي من أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سئل شيئاً ليس عنده صرف وجهه الشريف وسكت فنزلت { وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ } { ٱبْتِغَاء رَحْمَةٍ مّن رَّبّكَ تَرْجُوهَا } والخطاب عام له صلى الله عليه وسلم ولغيره، والمراد بالرحمة على ما أخرج ابن جرير عن ابن عباس ومجاهد والضحاك الرزق. ونصب { ٱبْتِغَاء } على أنه مفعول له. قال في «الكشف» قد أقيم ابتغاء الرزق مقام فقدانه وفيه لطف فكان ذلك الإعراض لأجل السعي لهم وهو / من وضع المسبب موضع السبب كما أوضحه في «الكشاف»، وقد يفسر الابتغاء بالانتظار ويجوز جعله في موضع الحال من ضمير { تُعْرِضَنَّ } أي مبتغياً، وجعله حالاً من الضمير المجرور بعيد. وجوز أن يكون الإعراض كناية عن عدم النفع وترك الإعطاء لأنه لازمه عرفاً والابتغاء مجازاً عن عدم الاستطاعة والتعلق أيضاً بالشرط وأيد ذلك بما أخرجه سعيد بن منصور وابن المنذر عن عطاء الخراساني قال: جاء ناس من مزينة يستحملون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً " ظنوا ذلك من غضب رسول الله عليه الصلاة والسلام عليهم فأنزل الله سبحانه: { وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ } الآية وفسر الرحمة بالفيء لكن أنت تعلم إن هذا غير ظاهر بناءً على ما سمعت من أن هذه السورة مكية والآية المذكورة ليست من المستثنيات، وكأنه لهذا قيل: إن المعنى إن ثبت وتحقق في المستقبل أنك أعرضت عنهم في الماضي ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل الخ والمراد سببية الثبوت للأمر بالقول فتأمل.

وجوز أن يتعلق { ٱبْتِغَاء } بجواب الشرط أعني قوله تعالى: { فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا } أي إما تعرضن عنهم فقل لهم ذلك ابتغاء رحمة من ربك، وقدم هذا الوجه على سائر الأوجه الزمخشري. واعترض بأن ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها في غير باب إما وما يلحق بها. وأجيب بأنه ذكره على المذهب الكوفي المجوز للعمل مطلقاً أراد التعلق المعنوي فيضمر ما ينصبه ويجعل المذكور جارياً مجرى التفسير، والإعراض على هذا على حقيقته، واحتمال كونه كناية مختص بتعلقه بالشرط على ما زعمه الطيبـي والحق عدم الاختصاص كما لا يخفى. وجملة { تَرْجُوهَا } على سائر الأوجه يحتمل أن تكون وصفاً لرحمة وأن تكون حالاً من الفاعل و { مِن رَبّكَ } متعلق بترجوها. وجوز أن يكون صفة لرحمة.

السابقالتالي
2