الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ }

لما جاء موسى عليه السلام إلى ربه عز وجل فقال:إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي.. } [غافر: 27] استجاب الله له وأعاذه، لا برسول ولا ملك ولا بأحد من أتباعه المؤمنين، إنما برجل مؤمن من آل فرعون كان يكتم إيمانه خوفاً من بطش فرعون قام مدافعاً عن موسى، وهذا أوضح في الحجة وأبلغ. لكن لماذا { يَكْتُمُ إِيمَانَهُ.. } [غافر: 28] ما دام مؤمناً؟ قالوا: كانوا يغلفون إيمانهم ويسترونه لأنه ليس لديهم القوة التي يَدْفعون بها الطغيان، فالإيمان في النفس حتى يجد الفرصة فيظهر ويجاهر، وها هو يظهر على لسان هذا الرجل المؤمن الذي يعلن أمام فرعون وجبروته أنه مؤمن، ويدعو بدعوة هي أشبه بدعوة الرسل، ويخبر بمنهج كأنه رسول. وكلمة { يَكْتُمُ إِيمَانَهُ.. } [غافر: 28] لها في الإسلام ملحظ وتاريخ، ومعنى كَتْم الإيمان أن الإيمان يحاول أن يبرز في تصرفات الرجل لكنه يكتم إيمانه، فهو حريص على أنْ يجعل إيمانه سراً بينه وبين ربه فقط ليستطيع أن يقول كلمة الحق ويجهر بها أمام القوم وهو غير مؤمن حتى لا يَؤْذَى. إذن: فالإيمان عمل وجداني له نضج على جميع جوارح النفس الإنسانية، فالمؤمن تجده متواضعاً منكسراً يستجيب للحق ويخضع له، المؤمن عطوف كريم حليم رحيم، تلحظ إيمانه من تصرفاته، ولكنه يحاول أن يكتم هذا حتى يقف الموقف الذي يمكنه من الجهر بالإسلام جهراً قوياً عنيفاً. لذلك يقولون: إن الإيمان عملية قلبية وهو سِرٌّ بين العبد وربه، ثم له أمر ظاهري بين المؤمن والناس، وقد يلتحم الأمران السر والجهر بينه وبين ربه، وبينه وبين الناس، فقد يكون مؤمناً بينه وبين الله أما بينه وبين الناس فهو مؤمن أو غير مؤمن، لأن العملية الإيمانية يُبدي فيها فوق ما يظهر إيمانه، والرسول صلى الله عليه وسلم شرع هذا، كيف؟ قالوا: في غزوة الأحزاب حين اجتمعتْ قريش وغطفان واليهود، حيث استدرج اليهود كلاً من قريش وغطفان ليحاربوا معهم محمداً ليثأروا منه صلى الله عليه وسلم بعد مسألة بني قينقاع لما أذاهم رسول الله. فلما ذهب حيي ومعه سلام بن مشكم إلى مكة ليستثيروا قريشاً وغطفان على رسول الله، قال لهم: يجب أن نقف جميعاً يداً واحدة في مواجهة محمد، لأننا إنْ تركناه سيستذلنا ويستذلكم، فلا بُدَّ أنْ تنجدونا بقوتكم، لكن قريشاً يعلمون أن اليهود أهلُ كتاب، فقالوا لهم: نريد أنْ نسألكم أولاً: أمحمد على حق أم نحن؟ وهم يعلمون موقف اليهود من قبل رسول الله، وأنهم كانوا يستفتحون به على الذين كفروا، ويقولون: سيأتي نبيّ أطلَّ زمانه سنتبعه ونقتلكم به قَتْل عاد وإرم. المهم أنهم قالوا لهم: إنكم على حق ومحمد على باطل.

السابقالتالي
2 3 4