الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوۤاْ أَنصِتُواْ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ }

قوله تعالى: { وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ } هذا توبيخ لمشركي قريش أي إن الجنّ سمعوا القرآن فآمنوا به وعلموا أنه من عند الله وأنتم معرضون مصرون على الكفر. ومعنى: «صَرَفْنَا» وجهنا إليك وبعثنا. وذلك أنهم صُرفوا عن استراق السمع من السماء برجوم الشُّهُب ـ على ما يأتي ـ ولم يكونوا بعد عيسى قد صُرِفوا عنه إلا عند مبعث النبيّ صلى الله عليه وسلم. قال المفسرون ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وغيرهم: " لما مات أبو طالب خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم وحده إلى الطائف يلتمس من ثَقيف النصرة فقصد عبْدَيالِيل ومسعوداً وحبيباً وهم إخوة ـ بنو عمرو بن عمير ـ وعندهم امرأة من قريش من بني جُمَح فدعاهم إلى الإيمان وسألهم أن ينصروه على قومه فقال أحدهم: هو يَمْرُط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك! وقال الآخر: ما وجد الله أحداً يرسله غيرك! وقال الثالث: والله لا أكلمك كلمة أبداً إن كان الله أرسلك كما تقول فأنت أعظم خطراً من أن أردّ عليك الكلام، وإن كنت تكذب فما ينبغي لي أن أكلمك. ثم أغرَوْا به سفهاءهم وعبيدهم يسبُّونه ويضحكون به، حتى اجتمع عليه الناس وألجأوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة. فقال لِلْجُمَحِيّة: «ماذا لقِينا من أحمائك»؟ ثم قال: «اللهم إني أشكو إليك ضَعْف قوّتي وقِلّة حِيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي لِمن تَكِلُني! إلى عبد يَتَجَهَّمُني، أو إلى عدوّ ملكته أمري! إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك من أن ينزل بي غضبك، أو يحلّ عليّ سخطك، لك العُتْبَى حتى ترضى، ولا حول ولا قوّة إلا بك». فرحمه ٱبنا ربيعة وقالا لغلام لهما نصرانيّ يقال له عدّاس: خذ قِطْفاً من العنب وضعْه في هذا الطبق ثم ضعْه بين يدي هذا الرجل فلما وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النبيّ صلى الله عليه وسلم «بٱسم الله» ثم أكل فنظر عدّاس إلى وجهه ثم قال: والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مِن أيّ البلاد أنت يا عدّاس وما دينك»؟ قال: أنا نصراني من أهل نِينَوَى. فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم:«أمِن قرية الرجل الصالح يونس بن مَتَّى»؟ فقال: وما يدريك ما يونس بن متى؟ قال: «ذاك أخي كان نبيًّا وأنا نبيّ» " فانكبّ عدّاس حتى قبّل رأس النبي صلى الله عليه وسلم ويديه ورجليه. فقال له ابنا ربيعة: لمَ فعلت هكذاٰ؟ فقال: يا سَيِّدِي ما في الأرض خير من هذا، أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبيّ.

السابقالتالي
2 3 4 5