الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } * { وَلاَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ } * { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ } * { بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ } * { بَلْ يُرِيدُ ٱلإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } * { يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلْقِيَامَةِ }

إدخال «لا» النافية على فعل القسم مستفيض في كلامهم وأشعارهم قال امرؤ القيس
لاَ وَأَبِيك ابْنَةَ الْعَامِرِيّ لاَ يَدَّعِى الْقَوْمُ أَنِّي أفِرّ   
وقال غوثة بن سلمى
أَلاَ نَادَتْ أُمَامَةُ بِاحْتِمالِ لِتَخْزُنَني فَلاَ بِكِ ما أُبَالِي   
وفائدتها توكيد القسم، وقالوا إنها صلة مثلها فيلِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ } الحديد29 وفي قوله
في بئْرِ لاحورٍ سَرَى وَمَا شَعَرْ   
اعترضوا عليه بأنها إنما تزاد في وسط الكلام لا في أوّله، وأجابوا بأنّ القرآن في حكم سورة واحدة متصل بعضه ببعض، والاعتراض صحيح لأنها لم تقع مزيدة إلا في وسط الكلام، ولكن الجواب غير سديد. ألا ترى إلى امرىء القيس كيف زادها في مستهل قصيدته. والوجه أن يقال هي للنفي. والمعنى في ذلك أنه لا يقسم بالشيء إلا إعظاماً له يدلك عليه قوله تعالىفَلاَ أُقْسِمُ بِمَوٰقِعِ ٱلنُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } الواقعة 75 - 76، فكأنه بإدخال حرف النفي يقول إنّ إعظامي له بإقسامي به كلا إعظام يعني أنه يستأهل فوق ذلك. وقيل إن «لا» نفي لكلام وردّ له قبل القسم، كأنهم أنكروا البعث فقيل لا، أي ليس الأمر على ما ذكرتم، ثم قيل أقسم بيوم القيامة. فإن قلت قوله تعالىفَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } النساء 65 والأبيات التي أنشدتها المقسم عليه فيها منفي، فهلا زعمت أنّ «لا» التي قبل القسم زيدت موطئة للنفي بعده ومؤكدة له، وقدّرت المقسم عليه المحذوف ههنا منفياً، كقوله { لآ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ 1 } ، لا تتركون سدى؟ قلت لو قصر الأمر على النفي دون الإثبات لكان لهذا القول مساغ، ولكنه لم يقصر. ألا ترى كيف لقيلا أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } البلد 1، بقولهلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ } التين 4، وكذلكفَلاَ أُقْسِمُ بِمَوٰقِعِ ٱلنُّجُومِ } الواقعة 75، بقوله إنه لقرآن كريم وقرىء «لأقسم» على أنّ اللام للابتداء. وأقسم خبر مبتدأ محذوف، معناه لأنا أقسم. قالوا ويعضده أنه في الإمام بغير ألف { بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ } بالنفس المتقية التي تلوم النفوس فيه أي في يوم القيامة على تقصيرهن في التقوى أو بالتي لا تزال تلوم نفسها وإن اجتهدت في الإحسان. وعن الحسن إن المؤمن لا تراه إلا لائماً نفسه، وإنّ الكافر يمضي قدما لا يعاتب نفسه. وقيل هي التي تتلوّم يومئذ على ترك الازدياد إن كانت محسنة. وعلى التفريط إن كانت مسيئة. وقيل هي نفس آدم، لم تزل تتلوّم على فعلها الذي خرجت به من الجنة. وجواب القسم ما دل عليه قوله { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَـٰنُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ } وهو لتبعثن. وقرأ قتادة «أن لن تُجمِع عظامه»، على البناء للمفعول. والمعنى نجمعها بعد تفرّقها ورجوعها رميماً ورفاتا مختلطاً بالتراب، وبعدما سفتها الرياح وطيرتها في أباعد الأرض.

السابقالتالي
2