الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ }

الشفع: الاثنان، والوتر: الفرد. واختلف في ذلك فرُوِي مرفوعاً عن عِمران بن الحصين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الشفع والوتر: الصلاة، منها شَفْع، ومنها وَتْر " وقال جابر بن عبد الله: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " «والفجرِ وليالٍ عشرٍ» ـ قال: هو الصبح، وعشر النحر، والوتر يوم عرفة، والشفع: يوم النحر " وهو قول ابن عباس وعكرمة. واختاره النحاس، وقال: حديث أبي الزبير عن جابر هو الذي صح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو أصح إسناداً من حديث عِمران بن حُصين. فيوم عرفة وتر، لأنه تاسعها، ويوم النحر شفع لأنه عاشرها. وعن أبي أيوب قال: سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: { وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ } فقال: " الشفع: يوم عرفة ويوم النحر، والوتر ليلة يوم النحر " وقال مجاهد وابن عباس أيضاً: الشفع خَلْقه، قال الله تعالى:وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً } [النبأ: 8] والوَتْر هو الله عز وجل. فقيل لمجاهد: أترويه عن أحد؟ قال: نعم، عن أبي سعيد الخُدْرِيّ، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ونَحوَه قال محمد بن سيرين ومسروق وأبو صالح وقتادة، قالوا: الشفع: الخلق، قال الله تعالى:وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } [الذاريات: 49]: الكفر والإيمان، والشقاوة والسعادة، والهدى والضلال، والنور والظلمة، والليل والنهار، والحر والبرد، والشمس والقمر، والصيف والشتاء، والسماء والأرض، والجنّ والإنس. والوتر: هو الله عز وجل، قال جل ثناؤه:قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ * ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } [الإخلاص: 1 ـ 2]. وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " إن لله تسعةً وتسعين اسما، والله وِتر يحب الوِتر " وعن ابن عباس أيضاً: الشفع: صلاة الصبح» والوتر: صلاة المغرب. وقال الربيع بن أنس وأبو العالية: هي صلاة المغرب، الشفع فيها ركعتان، والوتر الثالثة. وقال ابن الزُّبير: الشفع: يوما مِنًى: الحادي عشر، والثاني عشر. والثالث عشر الوتر قال الله تعالى:فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ } [البقرة: 203]. وقال الضحاك: الشفع: عشر ذي الحجة، والوتر: أيام مِنًى الثلاثة. وهو قول عطاء. وقيل: إن الشفع والوتر: آدم وحوّاء لأن آدم كان فرداً فشُفِع بزوجته حوّاء، فصار شفعاً بعد وتر. رواه ابن أبي نَجِيح، وحكاه القشيريّ عن ابن عباس. وفي رواية: الشفع: آدم وحوّاء، والوتر هو الله تعالى. وقيل: الشفع والوتر: الخلق لأنهم شفع ووتر، فكأنه أقسم بالخلق. وقد يقسم الله تعالى بأسمائه وصفاته لعلمه، ويقسم بأفعاله لقدرته كما قال تعالى:وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } [الليل: 3]. ويقسم بمفعولاته، لعجائب صنعه كما قال:وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا } [الشمس: 1]،وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا } [الشمس: 5]،وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ } [الطارق: 1].

السابقالتالي
2