الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } * { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } * { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } * { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } * { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }

قوله: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } واسمه عبدالعزى بن عبدالمطلب، وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم وإنما سمي أبو لهب لأن وجنتيه كانتا حمراوين، كأنما يلتهب منهما النار، وذلك أنه لما نزلتوَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } [الشعراء: 214]، يعني بني هاشم، وبني المطلب، وهما ابنا عبد مناف بن قصى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا علي، قد أمرت أن أنذر عشيرتي الأقربين، فاصنع لي طعاماً، حتى أدعوهم عليه وأنذرهم " ، فاشترى على، رحمة الله عليه، رجل شاة فطبخها وجاء بعس من لبن، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بني هاشم، وبني المطلب إلى طعامه، وهم أربعون رجلاً غير رجل، على رجل شاة، وعس من لبن، فأكلوا حتى شبعوا، وشربوا حتى رووا.

فقال أبو لهب: لهذا ما سحركم به، الرجال العشرة منا يأكلون الجذعة، ويشربون العس، وإن محمداً قد أشبعكم أربعين رجلاً من رجل شاة، ورواكم من عس من لبن، فلما سمع ذلك منه رسول الله صلى الله عليه وسلم شق عليه، ولم ينذرهم تلك الليلة، وأمر النبي علياً أن يتخذ لهم ليلة أخرى مثل ذلك، ففعل فأكلوا حتى شبعوا، وشربوا حتى رووا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا بني هاشم، ويا بني المطلب، أنا لكم النذير من الله، وأنا لكم البشير من الله إني قد جئتكم بما لم يجىء به أحد من العرب، جئتكم في الدنيا بالشرف، فأسلموا تسلموا، وأطيعونى تهتدوا " ، فقال أبو لهب: تبا لك، يا محمد، سائر اليوم لهذا دعوتنا؟ فأنزل الله عز وجل فيه: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } [آية: 1] يعني وخسر أبو لهب.

ثم استأنف، فقال: { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ } في الآخرة { وَمَا كَسَبَ } [آية: 2] يعني أولاده عتبة وعتيبة ومتعب لأن ولده من كسبه { سَيَصْلَىٰ } يعني سيغشى أبو لهب { نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } [آية: 3] ليس لها دخان { وَٱمْرَأَتُهُ } وهى أم جميل بنت حرب، وهى أخت أبي سفيان بن حرب { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } [آية: 4] يعني كل شوك يعقر كانت تلقيه على طريق النبي صلى الله عليه وسلم ليعقره.

ثم أخبر بما يصنع لها في الآخرة، فقال: { فِي جِيدِهَا } في عنقها يوم القيامة { حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } [آية: 5] يعني سلسلة من حديد، فلما نزلت هذه الآية في أبي لهب قيل لها: إن محمداً قد هجا زوجك، وهجاك، وهجا ولدك، فغضبت وقامت فأمرت وليدتها أن تحمل ما يكون في بطن الشاة من الفرث والدم والقذر، فانطلقت لتستدل على النبي صلى الله عليه وسلم لتلقى ذلك عليه فتصغره، وتذله به، لما بلغها عنه، فأخبرت أنه في بيت عند الصفا، فلما انتهت إلى الباب سمع أبو بكر، رحمه الله عليه، كلامها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم داخل البيت، فقال أبو بكر، رحمة الله عليه: يا رسول الله، إن أم جميل قد جاءت، وما أظنها جاءت بخير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم خذ ببصرها " ، أو كما قال.

السابقالتالي
2