الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } * { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } * { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ }

{ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ }.

أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا مكي قال: حدثنا عبد الله بن هاشم قال: حدثنا عبد الله بن نمير قال: حدّثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: " لما أنزل الله سبحانه: { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } [الشعراء: 214] أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا فصعد عليه ثم نادى: يا صباحاه، فأجتمع إليه الناس بين رجل يجيء وبين رجل يبعث رسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا بني عبد المطلب يا بني فهر يا بني عدي أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذ الجبل يريد أن تغير عليكم صّدقتموني؟ " قالوا: نعم، قال: " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " فقال أبو لهب: تباً لكم سائر هذا اليوم، وما دعوتموني إلا لهذا؟ فأنزل { تَبَّتْ } " أي خابت وخسرت، { يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } أي تب هو أخبر عن يديه والمراد به نفسه على عادة العرب في التعبير ببعض الشيء عن كلّه كقوله سبحانه:فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [الشورى: 30] وبِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } [البقرة: 95] ونحوها، وقيل: اليد صلة يقول العرب: يد الدّهر ويد الرزايا والمنايا، قال الشاعر:
لما أكبّت يد الرزايا   عليه نادى ألا مجير
وقيل: المراد به ماله وملكه يقال: فلان قليل ذات اليد، يعنون به المال.

والتباب الخسار والهلاك، سمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سمعت محمد بن مسعود السوري قال: سمعت نفطويه قال: سمعت المنقري عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال: لما قتل عثمان رضي الله عنه سمعوا صوت هاتف من الجن يبكي.
لقد خلّوك وأنصرفوا   فما عطفوا ولا رجعوا
ولم يوفوا بنذرهم   فتبّاً للذي صنعوا
وأبو لهب هو ابن عبد المطلب واسمه عبد العزي فلذلك لم يسمّه، وقيل اسمه كتيبة، قال: مقاتل كنّي أبا لهب لحسنه وأشراق وجهه، وكانت وجنتاه كأنهما تلتهبان.

{ وَتَبَّ } أبو لهب الواو فيه واو العطف، وقرأ عبد الله وأُبي (وقد تب) فالأول دعاء والثاني كما يقال غفر الله لك، وقد فعل وأهلكه الله وقد فعل، والواو فيه واو الحال.

وقراءة العامة { أَبِي لَهَبٍ } بفتح الهاء، وقرأ أهل مكة بجزمها، ولم يختلفوا في قوله: { ذَاتَ لَهَبٍ } أنه مفتوح الهاء؛ لأنهم راعو فيه روس الأي.

أخبرنا الحسين بن محمد قال: حدّثنا السني قال: حدّثنا حامد بن محمد بن شعيب البلخي قال: حدّثنا شريح بن يونس قال: حدّثنا هشيم قال: أخبرنا منصور عن الحكم عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: لما خلق الله القلم قال: أكتب ما هو كائن فكتب فمما كتب: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ }.

وأخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا أبو الطيب محمد بن عبد الله ابن المبارك الثعيري قال: حدّثنا محمد بن أشرس السلمي قال: حدّثنا عبد الصمد بن حسان المروِّ الروذيّ عن سفيان عن منصور قال: سئل الحسن عن قوله: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } هل كان في أم الكتاب وهل كان يستطيع أبو لهب أن لا يصلى النار؟ فقال الحسن: والله ما كان يستطيع أن لا يصليها وإنها لفي كتاب الله قبل أن يخلق أبو لهب وأبواه.

السابقالتالي
2 3