الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } * { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } * { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } * { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } * { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }

قوله - عز وجل -: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ }:

أي: خسرت، وخابت، كذلك قال أبو عوسجة، يقال: تب يتب تبا وتبابا.

ثم ما ذكر من قوله: { يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } يحتمل حقيقة اليد.

ويحتمل أن يكون ذكر اليد على الصلة.

فإن كان على إرادة حقيقة اليد، فهو يخرج على وجوه:

أحدها: ما ذكر: أنه [كان] كثير الإحسان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإنفاق عليه، والصنائع إليه، وكان يقول: إن كان الأمر لمحمد يومئذ؛ فيكون لي عنده يد، وإن كان لقريش فلي عندها يد؛ فأخبر - والله أعلم - أنه خسر فيما طمع ورجا من اليد التي له عنده والإحسان الذي أحسن إليه؛ إذ لم يصدقه، ولم يؤمن به، وخسر - أيضا - ما ادعى من اليد له عند قريش.

والثاني: يحتمل أن يكون من أبي لهب تخويف لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطش والأخذ باليد؛ فأمن الله - تعالى - رسوله عما خوفه [به]، حيث قال: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } ، أي: خسرت يداه، ولا يقدر على البطش.

والثالث: يحتمل أن يكون اليد كناية عن القوة في نفسه وماله في دفع العذاب عن نفسه، وكذلك كانوا يدعون دفع العذاب عن أنفسهم؛ بقولهم:نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } [سبأ: 35].

وذكر بعض أهل التأويل: أنه لما نزل قوله - تعالى -:وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } [الشعراء: 214]، جمع عشائره الأقرب فالأقرب منهم، وقال: " إني لا أملك لكم من الله نفعا في الدنيا والآخرة إلا بعد أن تقولوا شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله " فقال أبو لهب عند ذلك: " تبا لك يا محمد، ألهذا دعوتنا؟! " فنزل عند ذلك: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } مجازاة له.

فهذا وإن لم يكن في فعله في القصة استعمال اليدين، فيجوز أنه كان يصرف الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، أو حين دعى إلى الإيمان بالله - تعالى - مد يديه على التعجب من ذلك، وقال: " ألهذا دعوتنا؟ " فرد الله - تعالى - عليه ذلك، وعيره به.

وقد يجوز أن يظهر في الجواب مقدمة السؤال وإن لم يذكر ذلك في السؤال؛ ألا ترى إلى قوله - تعالى -:وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ } [البقرة: 222]؛ فعلم بذلك أن السؤال إنما كان عن قربانهن في المحيض؛ فكذلك الأول.

وإن كان ذكر اليد على الصلة، فهو يخرج على وجهين:

أحدهما: ذكر اليد كناية عن العمل والفعل، إلا أنه ذكر اليد؛ لما باليد يقوم ويعمل؛ كقوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4