الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ }

استئناف يجوز أن يكون استئنافاً ابتدائياً. ويجوز أن تكون الجملة تعليلاً لحرف { إنّ } إذا لم يكن لرد الإِنكار يكثر أن يفيد التعليل كما تقدم عند قوله تعالىقالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم } في سورة البقرة 32. واشتمال الكلام على صيغة قصر وعلى ضمير غائب وعلى لفظ الأبتر مؤذن بأن المقصود به ردُّ كلام صادر من معيَّن، وحكايةُ لفظٍ مرادٍ بالرد، قال الواحدي قال ابن عباس إن العاصي بن وائل السهمي رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الحرام عند باب بني سهم فتحدث معه وأناسٌ من صناديد قريش في المسجد فلما دخل العاصي عليهم قالوا له من الذي كنت تتحدث معه فقال ذلك الأبترُ، وكان قد توفّي قبل ذلك عبدُ الله ابنُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن مات ابنه القاسم قبلَ عبد الله فانقطع بموت عبد الله الذكورُ من ولده صلى الله عليه وسلم يومئذ، وكانوا يَصِفون من ليس له ابن بأبتر فأنزل الله هذه السورة، فحصل القصرُ في قوله { إن شانئك هو الأبتر } لأن ضمير الفصل يفيد قصر صفة الأبتر على الموصوف وهو شانىء النبي صلى الله عليه وسلم قصرَ المسند على المسند إليه، وهو قصر قلب، أي هو الأبتر لا أنت. و { الأبتر } حقيقته المقطوع بعضه وغلب على المقطوع ذَنبه من الدواب ويستعار لمن نقص منه ما هو من الخير في نظر الناس تشبيهاً بالدَّابة المقطوع ذَنَبها تشبيه معقول بمحسوس كما في الحديث " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر " يقال بَتر شيئاً إذا قطع بعضَه وبَتر بالكسر كفرِح فهو أبتر، ويقال للذي لا عقب له ذكوراً، هو أبتر على الاستعارة تشبيه متخيل بمحسوس شبهوه بالدابة المقطوع ذنبها لأنه قُطع أثره في تخيُّل أهلِ العرف. ومعنى الأبتر في الآية الذي لا خير فيه وهو رد لقول العاصي بن وائل أو غيره في حق النبي صلى الله عليه وسلم فبهذا المعنى استقام وصف العاصي أو غيره بالأبتر دون المعنى الذي عناه هو حيث لمز النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أبتر، أي لا عقب له لأن العاصي بن وائل له عقب، فابنه عمرو الصحابي الجليل، وابن ابنه عبد الله بن عمرو بن العاص الصحابي الجليل ولعبد الله عقب كثير. قال ابن حزم في «الجمهرة» عقبه بمكة وبالرهط. فقوله تعالى { هو الأبتر } اقتضت صيغة القصر إثبات صفة الأبتر لشانىء النبي صلى الله عليه وسلم ونفيها عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأبتر بمعنى الذي لا خير فيه.

السابقالتالي
2