الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ ٱللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً }

{ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } فإنه اعتراض بين المتعاطفين جيء به لتأكيد ما سبق من الأحكام بالوعد على اتقاء الله تعالى فيها، فالمعنى ومن يتق الله تعالى فطلق للسنة، ولم يضارّ المعتدة ولم يخرجها من مسكنها واحتاط فأشهد يجعل له سبحانه مخرجاً مما عسى أن يقع في شأن الأزواج من الغموم والوقوع في المضايق؛ ويفرج عنه ما يعتريه من الكروب، ويرزقه من وجه لا يخطر بباله ولا يحتسبه، وفي الأخبار عن بعض أجلة الصحابة ـ كعلي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس في بعض الروايات عنه ـ ما يؤيد بظاهره هذا الوجه، وجوز أن يكون اعتراضاً جيء به على نهج الاستطراد عند ذكر قوله تعالى:ذٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ } [الطلاق: 2] الخ، فالمعنى ومن يتق الله تعالى في كل ما يأتي وما يذر يجعل له مخرجاً من غموم الدنيا والآخرة وهو أولى لعموم الفائدة وتناوله لما نحن فيه تناولاً أولياً، ولاقتضاء أخبار في سبب النزول وغيره له، فقد أخرج أبو يعلى وأبو نعيم والديلمي من طريق عطاء بن يسار عن ابن عباس قال: " قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: { وَمَن يَتَّقِ } الخ فقال: مخرجاً من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت ومن شدائد يوم القيامة " ، وأخرج أحمد والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم «في المعرفة» والبيهقي " عن أبـي ذر قال: «جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو هذه الآية { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } [الطلاق: 2-3] فجعل يرددها حتى نعست ثم قال: يا أبا ذر لو أن الناس كلهم أخذوا بها لكفتهم "

وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبـي عن أبـي صالح عن ابن عباس قال: " جاء عوف بن مالك الأشجعي فقال: يا رسول الله إن ابني أسره العدو وجزعت أمه فما تأمرني؟ قال: آمرك وإياها أن تستكثرا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فقالت المرأة: نِعْمَ ما أمرك فجعلا يكثران منها فتغفل العدو فاستاق غنمهم فجاء بها إلى أبيه فنزلت { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ } » " الآية، وفي رواية ابن أبـي حاتم عن محمد بن إسحٰق مولى آل قيس قال: " جاء عوف بن مالك الأشجعي إلى النبـي صلى الله عليه وسلم فقال له: أسر ابن عوف فقال له عليه الصلاة والسلام: أرسل إليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله وكانوا قد شدوه بالقدّ فسقط القدّ عنه فخرج فإذا هو بناقة لهم فركبها فإذا سرح للقوم الذين كانوا شدوه فصاح بها فاتبع آخرها أولها فلم يفجأ أبويه إلا وهو ينادي بالباب فأتى أبوه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فنزلت: { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ } "

السابقالتالي
2 3