الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلضُّحَىٰ } * { وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } * { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ }

تقدم معنى الضحى في السورة المتقدمة.

وقيل: المراد به هنا النهار كله، كما في قوله:أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ } [الأعراف: 97-98]، وقوله: { وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } قيل: أقبل، وقيل: شدة ظلامه، وقيل: غطى، وقيل: سكن.

واختار الشيخ رحمه الله علينا وعليه إملائه معنى: سكن.

واختار ابن جرير أنه سكن بأهله، وثبت بظلامه، قال كما يقال بحر ساج، إذا كان ساكناً، ومنه قول الأعشى:
فما ذنبنا إن جاش بحر ابن عمكم   وبحرك ساج ما يواري الدعامصا
وقول الراجز:
يا حبذا القمراء واللَّيل الساج   وطرق مثل ملاء النساج
وأنشدهما القرطبي، وذكر قول جرير:
ولقد رميتك يوم رحن بأعين   ينظرن من خلل الستور سواج
أقسم تعالى بالضحى والليل هنا فقط لمناسبتها للمقسم عليه، لأنهما طرفا الزمن وظرف الحركة والسكون، فإنه يقول له مؤانساً: ما ودعك ربك وما قلى، لا في ليل ولا في نهار، على ما سيأتي تفصيله إن شاء الله.

وقوله: { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ } ، قرئ بالتشديد من توديع المفارق. وقرئ: ما ودعك، بالتخفيف من الودع، أي من الترك، كما قال أبو الأسود:
ليت شعري عن خليل ما الذي   نما له في الحب حتى ودعه
أي تركه، وقول الآخر:
وثم ودعنا آل عمرو وعامر   فرائس أطراف المثقفة السمر
أي تركوهم فرائس السيوف.

قال أبو حيان: والتوديع مبالغة في الودع، لأن من ودعك مفارقاً، فقد بالغ في تركك. اهـ.

والقراءة الأولى أشهر وأولى، لأن استعمال ودع بمعنى ترك قليل.

قال القرطبي: وقال المبرد: لا يكادون يقولون: ودع ولا وذر، لضعف الواو إذا قدمت واستغنوا عنها بترك، ويدل على قول المبرد سقوط الواو في المضارع، فتقول في مضارع: ودع يدع كيزن ويهب ويرث، من المضارع: يذرهم، والأمر: ذرهم. فترجحت قراءة الجمهور بالتشديد من ودعك من التوديع.

وقد ذكرنا هذا الترجيح، لأن ودع بمعنى ترك فيها شدة وشبه جفوة وقطيعة، وهذا لا يليق بمقام المصطفى صلى الله عليه وسلم عند ربه. أما الموادعة والوداع، فقد يكون مع المودة والصلة، كما يكون بين المحبين عند الافتراق، فهو وإن وادعه بجسمه فإنه لم يوادعه بحبه وعطفه، والسؤال عنه وهو ما يتناسب مع قوله تعالى: { وَمَا قَلَىٰ }.

تنبيه

هنا ما ودعك بصيغة الماضي، وهو كذلك للمستقبل، بدليل الواقع وبدليلوَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ } [الضحى: 4]، لأنها تدل على مواصلة عناية الله به حتى يصل إلى الآخرة فيجدها خيراً له من الأولى، فيكون ما بين ذلك كله في عناية ورعاية ربه.

وقد جاء في صلح الحديبية، قال لعمر: أنا عبد الله ورسوله، أي تحت رحمته وفي رعايته.

وقوله: وما قلى، حذف كاف الخطاب لثبوتها فيما معها، فدلت عليها هكذا، قال المفسرون:

وقال بعضهم: تركت لرأس الآية، والذي يظهر من لطيف الخطاب ورقيق الإيناس ومداخل اللطف، أن الموادعة تشعر بالوفاء والود، فأبرزت فيها كاف الخطاب، أي لم تتأت موادعتك وأنت الحبيب، والمصطفى المقرب.

السابقالتالي
2