الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَٱلْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ } * { رَسُولٌ مِّنَ ٱللَّهِ يَتْلُواْ صُحُفاً مُّطَهَّرَةً } * { فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ } * { وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ }

ذكر هنا الذين كفروا، ثم جاءت من، وجاء بعدها أهل الكتاب والمشركين، مما يشعر بأن وصف الكفر يشمل كلاً من أهل الكتاب والمشركين، كما يشعر مرة أخرى أن المشركين ليسوا من أهل الكتاب لوجود العطف، وأن أهل الكتاب ليسوا من المشركين.

وهذا المبحث معروف عند المتكلمين وعلماء التفسير، واتفقوا على: أن أهل الكتاب هم اليهود والنصارى، وأن المشركين هم عبدة الأوثان، والكفر بجميع القسمين.

وأهل الكتاب مختص باليهود والنصارى، ولكن الخلاف هل الشرك يجمعهما أيضاً أم لا؟

فبين الفريقين عموم وخصوص، عموم في الكفر وخصوص في أهل الكتاب لليهود والنصارى، وخصوص في المشركين لعبدة الأوثان.

ولكن جاءت آيات تدل على أن مسمى الشرك يشمل أهل الكتاب أيضاً: كما في قوله تعالى:وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ ذٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [التوبة: 30-31].

فجعل مقالة كل من اليهود والنصارى إشراكاً.

وجاء عن عبد الله بن عمر منع نكاح الكتابية وقال: " وهل كبر إشراكاً من قولها:ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً } [البقرة: 116]، فهو وإن كان مخالفاً للجمهور في منع الزواج من الكتابيات، إلا أنه اعتبرهن مشركات.

ولهذا الخلاف والاحتمال وقع النزاع فى مسمى الشرك، هل يشمل أهل الكتاب أم لا؟ مع أننا وجدنا فرقاً في الشرع في معاملة أهل الكتاب ومعاملة المشركين، فأحل ذبائح أهل الكتاب ولم يحلها من المشركين، وأحل نكاح الكتابيات ولم يحله من المشركات، كما قال تعالى:وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ } [البقرة: 221].

وقوله:وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ } [الممتحنة: 10].

وقال:لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } [الممتحنة، 10]، بين ما في حق الكتابيات قال:وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } [المائدة: 5]، فكان بينهما مغايرة في الحكم.

وقد جمع والدنا الشيخ محمد الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه بين تلك النصوص في دفع إيهام الاضطراب عند قوله تعالى:وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ } [التوبة: 30]، المتقدم. ذكرها جمعاً مفصلاً مفاده أن الشرك الأكبر المخرج من الملة أنواع، وأهل الكتاب متصفون ببعض دون بعض، إلى آخر ما أورده رحمه الله تعالى علينا وعليه.

ولعل في نفس آية { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ } ، فيها إشارة إلى ما ذكره رحمة الله تعالى علينا وعليه من وجهين:

الأول: قوله تعالى:يُضَاهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [التوبة: 30]، أي يشابهونهم في مقالتهم، وهذا القدر اتصف به المشركون من انواع الشرك.

الثاني: تذييل الآية بصيغة المضارع عما يشركون بين ما وصف عبدة الأوثان في سورة البينة بالاسم والمشركين.

السابقالتالي
2 3 4 5