الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }

هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع البصر على محرم من غير قصد، فليصرف بصره عنه سريعاً، كما رواه مسلم في صحيحه من حديث يونس بن عبيد عن عمرو بن سعيد عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن جده جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة، فأمرني أن أصرف بصري. وكذا رواه الإمام أحمد عن هشيم عن يونس بن عبيد به. ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديثه أيضاً. وقال الترمذي حسن صحيح، وفي رواية لبعضهم فقال " أطرق بصرك " يعني انظر إلى الأرض، والصرف أعم، فإنه قد يكون إلى الأرض، وإلى جهة أخرى، والله أعلم. وقال أبو داود حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري، حدثنا شريك عن أبي ربيعة الإيادي، عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي " يا علي لاتتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى، وليس لك الآخرة " ورواه الترمذي من حديث شريك، وقال غريب، لا نعرفه إلا من حديثه. وفي الصحيح عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إياكم والجلوس على الطرقات " قالوا يارسول الله لابد لنا من مجالسنا نتحدث فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أبيتم، فأعطوا الطريق حقه " قالوا وما حق الطريق يا رسول الله؟ فقال " غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ". وقال أبو القاسم البغوي حدثنا طالوت بن عباد، حدثنا فضل بن جبير، سمعت أبا أمامة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " اكفلوا لي ستاً، أكفل لكم بالجنة إذا حدث أحدكم فلا يكذب، وإذا اؤتمن فلا يخن، وإذا وعد فلا يخلف، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم، واحفظوا فروجكم " وفي " صحيح البخاري " " من يكفل لي ما بين لحييه، وما بين رجليه، أكفل له الجنة " وقال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة قال كل ما عصي الله به، فهو كبيرة، وقد ذكر الطرفين فقال { قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـٰرِهِمْ } ولما كان النظر داعية إلى فساد القلب كما قال بعض السلف النظر سهام سم إلى القلب، ولذلك أمر الله بحفظ الفروج كما أمر بحفظ الأبصار التي هي بواعث إلى ذلك، فقال تعالى { قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـٰرِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ } وحفظ الفرج تارة يكون بمنعه من الزنا كما قال تعالى

السابقالتالي
2