الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

بعد أن أخبرنا الحق سبحانه وتعالى أنه خلق جميع ما في الكون، أراد أن يخبرنا عمن خلقه لعمارة هذا الكون، فكأن القصة التي بدأ الله سبحانه وتعالى بها قصص القرآن كانت هي قصة آدم أول الخلق، ولقد وردت هذه القصة في القرآن الكريم كثيراً لتدلنا لماذا أخبرنا الحق سبحانه وتعالى بهذه القصة؟ وجاءت لتدلنا أيضاً على صدق البلاغ عن الله. واقرأ قوله تعالى:نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِٱلْحَقِّ.. } [الكهف: 13]. كلمة الحق التي جاءت هنا لتدلنا على أن هناك قصصاً، ولكن بغير حق، والله سبحانه وتعالى أراد أن يخرج قصصه عن دائرة القصص التي يتداولها الناس أو قصص التاريخ لإمكان مخالفتها الواقع وتأتي بغير حق، وهناك قصص تروى في الدنيا ولا واقع لها، بل هي من قبيل الخيال. وكلمة: " قصة " مأخوذة من قَصّ الأثر، بمعنى: أن يتبع قصاص الأثر في الصحراء الآثار التي يشاهدها على الرمال حتى يصل إلى مراده عندما يصل إلى نهاية الأثر.. وما دمنا قد عرفنا أن الله يقص الحق، فلا بد - إذن - أن قصص القرآن الكريم كلها أحداث وقعت فعلا. ولكل قصة في القرآن عبرة. أو شيء مهم يريد الحق سبحانه وتعالى أن يلفتنا إليه. فمرة تكون القصة لتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيت المؤمنين: واقرأ قوله تعالى:وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ.. } [هود: 120]. فكل قصة تُثَبتُ فؤاد الرسول والمؤمنين في المواقف التي تزلزلهم فيها الأحداث. وقصص القرآن ليست لقتل الوقت، ولكن الهدف الأسمى للقصة هو تثبيت ونفع حركة الحياة الإيمانية، ولو نظرنا إلى قصص القرآن الكريم نجد أنها تتحدث عن أشياء مضت وأصبحت تاريخاً، والتاريخ يربط الأحداث بأزمانها، وقد يكون التاريخ لشخص لا لحدث، ولكن الشخص حدث من أحداث الدنيا. ولو قرأت تاريخ كل حدث لوجدت أنه يعبر عن وجهة نظر راويه، فكل قصص التاريخ كتبت من وجهات نظر مَنْ رَوَوْها ولذلك، فالقصة الواحدة تختلف باختلاف الراوي. ولكن قصص القرآن الكريم هو القصص الحق.. والعبرة في قصص القرآن الكريم أنها تنقل لنا أحداثا في التاريخ تتكرر على مر الزمن. ففرعون مثلاً هو كل حاكم يريد أن يُعْبَدَ في الأرض، وأهل الكهف مثلاً هي قصة كل فئة مؤمنة هربت من طغيان الكفر وانعزلت لتعبد الله، وقصة يوسف عليه السلام هي قصة كل إخوة نزغ الشيطان بينهم فجعلهم يحقدون على بعضهم، وقصة ذي القرنين هي قصة كل حاكم مصلح أعطاه الله سبحانه الأسباب في الدنيا ومكَّنه في الأرض، فعمل بمنهج الله وبما يرضي الله، وقصة صالح هي قصة كل قوم طلبوا معجزة من الله، فحققها لهم فكفروا بها، وقصة شعيب عليه السلام هي قصة كل قوم سرقوا في الميزان والمكيال.

السابقالتالي
2 3 4 5 6