الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } * { ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱهْتَدَىٰ } * { وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى } * { ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ }

والفاء فى قوله { فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } للإِفصاح.. وأصل الإِعراض لفت الوجه عن الشىء، لأن الكاره لشىء يعرض بصفحة خده عنه. والمراد به هنا ترك هؤلاء المشركين، وعدم الحرص على إيمانهم، بعد أن وصلتهم دعوة الحق.. أى إذا كان الأمر كما ذكرنا لك - أيها الرسول الكريم - من أن هؤلاء المشركين، ما يتبعون فى عقائدهم إلى الظن الباطل، وإلا ما تشتهيه أنفسهم.. فاترك مجادلتهم ولا تهتم بهم، بعد أن بلغتهم رسالة ربك.. فإنهم قوم قد أصروا على عنادهم. وعلى الإِدبار عن وحينا وقرآننا الذى أنزلناه إليك، ولم يريدوا من حياتهم إلا التشبع من زينة الحياة الدنيا، ومن شهواتها ومتعها.. ومن كان كذلك فلن تستطيع أن تهديه، لأنه آثر الغى على الرشد، والضلالة على الهداية. وجىء بالاسم الظاهر فى مقام الإِضمار، فقيل { فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا } ولم يقل فأعرض عنهم.. لبيان ما تؤذن به صلة الموصول من علة الأمر بالإِعراض عنهم، وهى أنهم قوم أعرضوا عن الوحى، ولم يريدوا سوى متع دنياهم، وأما ما يتعلق بالآخرة فهم فى غفلة عنه. وقوله { ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ } تسلية له - صلى الله عليه وسلم - عما أصابه منهم، وتحقير لهم ولأفكارهم، وتهوين من شأنهم.. أى ذلك الذى تراه منهم من التولى عن قرآننا، ومن الحرص على عرض الحياة الدنيا، منتهى علمهم، ولا علم سواه.. فاسم الإِشارة " ذلك " يعود إلى المفهوم من الكلام السابق وهو توليهم عن القرآن الكريم، وتكالبهم على الحياة الدنيا.. وفى هذه الجملة المعترضة ما فيها من تحقير أمرهم، ومن الازدراء بعملهم الذى أدى بهم إلى إيثار الشر على الخير، والعاجلة على الآجلة. وقوله - سبحانه - { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ... } تعليل للأمر بالإِعراض عنهم، والإِهمال لشأنهم، وتسلية أخرى له - صلى الله عليه وسلم -. أى امض - أيها الرسول الكريم - فى طريقك، وأعرض عن هؤلاء الجاحدين المعاندين، الذين أصروا على عدم الاستجابة لك، بعد أن سلكت معهم كل وسيلة تهديهم إلى الحق.. إن ربك - أيها الرسول الكريم - هو أعلم بمن أصر من الناس على الضلال، وهو - سبحانه - أعلم بمن شأنه الاهتداء، والاستجابة للحق.. والمراد بالعلم هنا لازمه، أى ما يترتب عليه من ثواب وعقاب، ثواب للمؤمنين، وعقاب للكافرين. وكرر - سبحانه - قوله { هُوَ أَعْلَمُ } لزيادة التقرير، والمراد بمن ضل من أصر على الضلال، وبمن اهتدى من عنده الاستعداد لقبول الحق والهداية. وقدم - سبحانه - من ضل على من اهتدى هنا، لأن الحديث السابق واللاحق معظمة عن المشركين، الذين عبدوا من دون الله - تعالى - أصناما لا تضر ولا تنفع.

السابقالتالي
2 3 4