الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي ٱلأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّادِمِينَ }

{ فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِى ٱلأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِى سَوْءَةَ أَخِيهِ } ، فلما رأى قابيل ذلك قال يا ويلتا كلمة تحسر فقيل لما رأى الدفن من الغراب أنه أكبر علماً منه وأنَّ ما فعله كان جهلاً فندم وتحسر { قَالَ يَـٰوَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَارِىَ سَوْءَةَ أَخِى } ، أي: جيفته، وقيل: عورته لأنه كان قد سلب ثيابه، { فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّـٰدِمِينَ } ، على حمله على عاتقه لا على قتله، وقيل: على فراق أخيه، وقيل: ندم لقلة النفع بقتله فإنه أسخط والديه، وما انتفع بقتله شيئاً ولم يكن ندمه على القتل وركوب الذنب. قال عبدالمطلب بن عبدالله بن حنطب: لما قتل ابن آدم أخاه رجفت الأرض بما عليها سبعة أيام ثم شربت الأرض دمه كما يشرب الماء، فناداه آدم: أين أخوك هابيل؟ قال: ما أدري ما كنت عليه رقيباً، فقال آدم: إن دم أخيك ليناديني من الأرض، فلمَ قتلت أخاك؟ قال: فأين دمه إن كنتُ قتلتُه؟ فحرّم الله عزّ وجلّ على الأرض يومئذ أن تشرب دماً بعده أبداً. وقال مقاتل بن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما: لما قتل قابيل هابيل وآدم عليه السلام بمكة اشتاك الشجر وتغيرت الأطعمة وحمضت الفواكه، وأمرّ الماء وأغبرت الأرض، فقال آدم عليه السلام: قد حدث في الأرض حدث، فأتى الهند فإذا قابيل قد قتل هابيل، فأنشأ يقول وهو أول من قال الشعر:
تَغَيَّرتِ البلادُ ومَنْ عليها   فَوَجْهُ الأرض مُغْبَــرٌ قَبيــح
تغيَّر كلُّ ذي لـونٍ وطعـم   وقلّ بشاشةُ الوجهِ الصّبيح
وروي المليح. ورُوي عن ميمون بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من قال إن آدم عليه السلام قال شعراً فقد كذب، إن محمداً صلى الله عليه وسلم والأنبياء كلّهم عليهم السلام في النهي عن الشعر سواء. ولكن لما قتل قابيل هابيل رثاه آدم وهو سرياني، فلما قال آدم مرثيته قال لشيث: يا بني إنك وصي احفظ هذا الكلام ليتوارث فيرقّ الناس عليه، فلم يزل ينقل حتى وصل إلى يعرب بن قحطان، وكان يتكلّم بالعربية والسريانية وهو أول من خط بالعربية، وكان يقول الشعر فنظر في المرثية فردّ المقدم إلى المؤخر والمؤخر إلى المقدم، فوزنه شعراً وزاد فيه أبيات منها:
ومالي لا أجود بسكب دمع   وهابيــل تضمنــه الضريــح
أرى طول الحياة عليّ غماً   فهل أنا من حياتي مستريح
فلما مضى من عمر آدم عليه السلام مائة وثلاثون سنة، وذلك بعد قتل هابيل بخمس سنين ولدت له حواء شيثاً وتفسيره: هبة الله، يعني إنه خلف من هابيل علّمه الله تعالى ساعات الليل والنهار، وعلّمه عبادة الخلق في كل ساعة منها، وأنزل عليه خمسين صحيفة فصار وصيّ آدم وولي عهده، وأما قابيل فقيل له: اذهب طريداً شريداً فزعاً مرعوباً لا تأمن من تراه، فأخذ بيد أخته إقليما وهرب بها إلى عدن من أرض اليمن، فأتاه إبليس فقال له إنما أكلت النار قربان هابيل لأنه كان يعبد النار فانصبْ أنت ناراً أيضاً تكون لك ولعقبك، فبنى بيتاً للنار فهو أوّل من عبد النار، وكان لا يمرّ به أحد من ولده إلا رماه، فأقبل ابن له أعمى ومعه ابن له، فقال ابنه: هذا أبوك قابيل، فرمى الأعمى أباه فقتله، فقال ابن الأعمى: قتلتَ أباك؟ فرفع يده فلطم ابنه، فمات فقال الأعمى: ويلٌ لي قتلت أبي برميتي وقتلت ابني بلطمتي.